تعليق على الآية يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ والآية التالية لها
وقد روى المفسرون «١» أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه كان يقول:
إن هذه الآية نزلت فيّ حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي وقد أعطاني الله خيرا مما أخذ مني مائة ضعف وأبدلني بالعشرين أوقية من الذهب عشرين عبدا كلهم تاجر، مالي في يديه. وفي رواية أخرى أربعين عبدا بدل العشرين. وإنه كان يقول ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وإن لي الدنيا، فقد قال الله نؤتكم خيرا مما أخذ منكم. وقد أعطاني مائة ضعف ما أخذ مني. وقال يغفر لكم وأرجو أن يكون قد غفر لي. ورووا مع هذه الرواية رواية أخرى عن ابن عباس جاء فيها أن الأسرى بما فيهم العباس قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم آمنّا بما جئت ونشهد أنك رسول الله ولننصحن بذلك قومنا. والروايات لم ترد في الصحاح ويلحظ إلى هذا أن فحوى الآيتين يفيد أن المخاطبين أكثر من واحد أو بالأحرى جميع الأسرى. وأن الآية الثانية منهما احتوت تحذيرا من الخيانة وإنذارا قويا، وهذا لم يكن متوقعا من العباس بحيث يسوغ التوقف في الروايات وبكون الآيات نزلت في العباس. ونستبعد كذلك ما ذكرته الرواية الثانية من أن الأسرى أسلموا لأن روايات السيرة والمفسرين والمؤرخين متفقة على أن معظم الأسرى قد افتداهم أهلهم واستردوهم ولا بد أن يكون ذلك لو أنهم أسلموا حتى زوج بنت رسول الله فإنه لم يسلم ومنّ رسول الله عليه بتحبيذ من أصحابه حينما بعثت زوجته بعقدها لتفتديه على ما ذكرناه قبل قليل.
وعلى كل حال ففي الآيتين إيعاز رباني بما ينبغي أن يتصرف به النبي صلى الله عليه وسلم تجاه الأسرى بعد أن أخذ الفداء من بعضهم ومنّ على بعضهم. ومن الجائز أن يكون النبي بهذا الإيعاز أخذ منهم عهدا بالمسالمة والكفّ، ولعلّه أخذ من بعضهم
(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي والخازن وابن كثير.