في الآيات تقرير موجه للمخاطبين بأن الله ربّ العالمين الذي نوهت به الآيات السابقة بمشاهد قدرته هو الذي خلقهم أيضا من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم أخرجهم إلى الدنيا أطفالا ثم يبلغون أشدهم رجالا ومنهم من يتوفى ومنهم من يفسح في عمرهم فيصيرون شيوخا ويعيشون الأجل المعين في علم الله وتتاح لهم الفرصة لتدبر آيات الله وتعقلها وهو الذي بيده كذلك الحياة والموت وهو الذي يوجد كل ما يريده بمجرد اقتران إرادته بوجوده.
والآيات استمرار للسياق في صدد البرهنة على عظمة الله وقدرته واستحقاقه وحده للعبادة والإخلاص والشكر.
ويلفت النظر إلى ما في أسلوب هذه الآيات والتي قبلها من قوة وروعة، وقد وجه الخطاب فيها إلى العقول والقلوب معا مما من شأنه أن يؤثر في ذوي النيات الطيبة والعقول السليمة والرغبات الصادقة فيجعلهم يدركون ما في عبادة غير الله من سخف وضلال واستحقاق الله وحده للعبادة والدعاء والاعتماد. والأسلوب متساوق مع مشاهدات المخاطبين في الكون وفي أنفسهم ثم مع مدركاتهم وليس هو بسبيل تقريرات فنية على ما نبهنا إليه في سياق الفصول المماثلة الكثيرة ومنها ما ورد في هذه السورة.
وجملة وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ في الآية [٦٧] قد تلهم أن اختصاص بني آدم بالذكر بأطوار خلقهم التي يشترك فيها معهم غيرهم من الحيوانات إنما هو بقصد التنويه بما اقتضت حكمة الله من تمييزهم عن غيرهم بالعقل والتكليف ومن ترتيب نتائج ذلك عليهم مما لم يرتب على غيرهم من الحيوانات، والله أعلم.