أن يشركوهم مع الله ولو لم يكن لهم من أمر الكون شيء ولو لم يعقلوا شيئا مما يوجه إليهم من دعاء وعبادة. وأمر آخر له بأن يقرر أن الشفاعة جميعا هي لله وحده الذي له ملك السموات والأرض وإليه مرجع الجميع في النهاية.
في الآيات عود على بدء في صدد محاججة الكفار وحكاية عقائدهم وتسفيههم عليها. وهي من هذه الناحية ليست منقطعة الصلة بالآيات السابقة سياقا وموضوعا، ولعلها من ناحية ما استمرار لما احتوته تلك الآيات من حجج مفحمة بسبيل توكيد عجز شفعائهم وشركائهم عجزا تاما في جميع الحالات.
وتعبير لِلَّهِ الشَّفاعَةُ هنا تعبير أسلوبي على ما يتبادر لمقابلة تعبير شُفَعاءَ وما يرتجى منهم من الشفاعة. والمقصد منه تقرير كون دفع الضرر وجلب الخير اللذين يتوسل بالشفعاء لدى الله لنيلهما هما في يد الله وحده وأنه هو وحده المرجّى.
وتعبير وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) في الآية الأولى يلهم أن المقصود من الشفعاء هنا هو الأصنام لا الملائكة. هذا في حين أن آيات عديدة أخرى ومنها ما ورد في هذه السورة تقرر أن المشركين كانوا يتخذون الملائكة شفعاء لهم عند الله. ولقد ذكرنا في سياق تفسير سورة النجم أن المشركين كانوا يعبدون أصنام اللاة والعزى ومناة على اعتبار أنها رموز للملائكة أو هياكل لها في الأرض، استلهاما من روح الآيات ومضامينها. فيقيمون عندها طقوسهم ويقربون عندها قرابينهم على هذا الاعتبار، وبهذا يزول الإشكال ويتم التساوق كما هو المتبادر.
على أن من المحتمل أن يكون بعض المشركين كانوا ينسون الرمزية في الأصنام ويتوسلون بها إلى الله مباشرة، وأن الآية قد قصدت ذلك في تنديدها ووصفها.