ولقد أورد المفسر نفسه بعض أحاديث نبوية في سياق الجملة منها حديث عزاه إلى مسلم عن أبي هريرة قال:«قيل يا رسول الله ادع على المشركين قال إني لم أبعث لعّانا وإنما بعثت رحمة» . وحديث أخرجه الحافظ بن عساكر عن أبي هريرة قال:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا رحمة مهداة» . وحديث أخرجه كذلك ابن عساكر عن ابن عمر جاء فيه:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله بعثني رحمة مهداة بعثت برفع قوم وخفض آخرين» . وصحة الأحاديث محتملة وينطوي فيها إيذان بمدى مهمة الرسالة النبوية وما فيها من هدى ورحمة للناس. وفي هذا تساوق مع الجملة القرآنية.
تعليق على جملة أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ
ولقد تعددت أقوال أهل التأويل من الصدر الإسلامي الأول التي يرويها المفسرون لجملة أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ منها أنها الجنة الأخروية ومنها أنها الدنيا أو أنها أرض الكفار التي يفتحها المسلمون. ومنهم من رأى فيها بشرى فوز النبي والمؤمنين على قريش في النهاية. ويلحظ أن الكلام هو في صدد مصائر الناس في الآخرة وتوكيد وعد الله بتحقيق ذلك مما يجعلنا نرجح الاحتمال الأول. ولا سيّما إن جملة عِبادِيَ الصَّالِحُونَ لا يمكن أن تنصرف إلّا إلى عباد الله المؤمنين الموحدين السالكين طريق الحق في حين أن كثيرا ما يتمكن في الأرض أناس غير متّصفين بذلك. وفي أوائل سورة (المؤمنون) التي تأتي بعد هذه السورة آيتان يمكن أن تكونا قرينة على تفسير كلمة يَرِثُها بما يتفق مع الاحتمال الأول وهما: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١) ، بل وفي سورة الزمر آية أكثر تأييدا لهذا التفسير وهي:
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وهذه السورة مكيّة ولم يكن المؤمنون قد انتصروا وصاروا أصحاب السلطان في الأرض.