قد تحققت فيه جميع معاني التعظيم والتفخيم والتكريم، وإنه ليس في حاجة إلى المزيد بمثل هذه المظاهر كما غاب عنهم أنهم يقررون ماهيات مادية عن السماء الأولى وبيت العزة والحفظة والسفرة والتوزيع على جبريل وتلقي جبريل عنهم، ويصفون مشاهد إبصارية لا يصحّ إلقاء الكلام فيها جزافا، وليس عندهم أي دليل نقلي ثابت وصحيح صادر عن النبي الذي هو وحده صاحب الحق في الإخبار عن الغيبيات.
ومهما يكن من أمر فإن هذه الأقوال تدل على أن كثيرا من الناظرين في القرآن وعلمائه ومفسريه اعتبروا أو يقع الوهم بأنهم اعتبروا القرآن- ومن جملته الفصول الوسائلية والتدعيمية والوقائع الجهادية والأسئلة والأجوبة ومواقف التحدي والجدل والحجاج المتقابلة- مستقلا في أصله عن الأحداث التي نزل بمناسباتها، وكون هذه الأحداث ليست إلا ظروفا عابرة لنزوله حتى مع قولهم إن القرآن قد نزل منجما حسب الحوادث- لأن هذا يبدو غريبا إزاء القول إن القرآن نزل في بدء نبوة النبي أو قبلها جملة واحدة إلى سماء الدنيا- فقالوا ما قالوه وولعوا بما ولعوا به من أسرار القرآن، واستقراء حروفه ورموزه ومغيباته، واستغرقوا في ماهيات ما جاء فيه من مشاهد كونية وقصص تاريخية، وحاولوا أن يستخرجوا حقائق ما كان ويكون من الوقائع والعلوم ونظرياتها، وفي هذا ما فيه من التكلّف والتجاوز والتشويش وتعريض القرآن للمغامز والمطاعن في حين أنه لا طائل من ورائه ولا ضرورة له ولا أسناد وثيقة تدعمه.
- ٩- روايات نزول القرآن بالمعنى وأثرها:
ثانيا: ومن ذلك ما قاله بعض العلماء من نزول القرآن على قلب النبي بالمعنى لا باللفظ. فقد ذكر صاحب «الإتقان» هذا الموضوع في فصل كيفية نزول القرآن على قلب النبي بالمعنى لا باللفظ. فقد ذكر صاحب «الإتقان» هذا الموضوع في محل كيفية نزول القرآن، وقال إن هناك أربعة أقوال:(١) إنه نزل باللفظ