نزلت في مناسبة مشهد من مشاهد الجدل والحجاج بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبعض زعماء الكفار.
ولقد انطوى فيها تلقينات جليلة مستمرة المدى، منها تقبيح المماراة في الحق اندفاعا وراء الهوى واعتدادا بالنفس وتعمدا للشقاق والمعارضة، ومنها تقبيح التمسك بالتقاليد الموروثة على علاتها، ومنها إيجاب مقابلة كل فكرة أو دعوة جديدة بالتدبّر والتروي واتباع ما يكون فيه حقّ وخير وصلاح مهما كان مغايرا للقديم.
تعليق على مدى ما انطوى في جملة أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا
والمعنى المنطوي في جملة أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا تكرر في آيات أخرى بأسلوب آخر حيث حكت إحدى آيات سورة فاطر أن من المشركين من كان يحلف أنهم إذا ما جاءهم نذير منهم يتبعونه حتى يكونوا أهدى من الأمم الأخرى ثم استكبروا لما بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم نذيرا كما ترى في هذه الآيات: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:
٤٢- ٤٣] وحيث حكت آيات في سورة الزخرف قولهم إن القرآن كان يجب أن ينزل على أحد زعماء مكة أو الطائف واستكبارهم لما نزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم كما ترى في هذه الآيات: وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف: ٣٠- ٣٢] وحيث يبدو أن اختصاص النبي بالوحي ولم يكن من الزعماء والأغنياء كان من العوامل الهامة في حمل الزعماء أو بعضهم على الأقل على مناوأته والصدّ عن دعوته.