الذي زين له سوء عمله فانخدع ورآه حسنا. وفي هذا معنى جليل وتلقين بليغ مستمر المدى وهو أن عمل الإنسان إنما يحكم عليه بأثره في المجتمع وبما يكون فيه من حقّ وهدى ونفع، لا بإعجاب صاحبه به.
أما فحوى الشطر الثاني من الآية الثانية فيلهم أنه أريد به تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتهوين موقف الكفار وتكذيبهم. فسوء عملهم وخبث طويتهم يجعلانهم غير مأسوف عليهم إذ انصرفوا عن الدعوة، والله أعلم بحقيقة ما هم عليه وما يصدر منهم، وأنهم لا يستحقون أن يكونوا سببا لإهلاك نفسه حسرة وغمّا عليهم، فالله يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء فليس من محل لحزنه واكتئابه.
ولقد روى البغوي عن سعيد بن جبير أن الآية [٨] نزلت في أصحاب الأهواء والبدع. وعن قتادة أنها في الخوارج الذين كانوا يستحلون دماء المسلمين الذين لا يذهبون مذاهبهم وأموالهم. والتجوز في هذا واضح، لأن مضمون الآية وسياقها صريحان بأنها في صدد الذين كفروا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يعتدّون بما هم عليه.
وكل ما يمكن أن تكون هذه الأقوال قيلت على سبيل التطبيق وبوحي الأحداث التي وقعت في صدر الإسلام. على أنه يصح القول من ناحية أخرى أن التنديد المنطوي فيها عام مطلق يتناول كل من يرتكس في الأعمال المنكرة السيئة ويصر عليها رغم ما يظهر من ضررها وبعدها عن الحق.
والشرح الذي شرحنا به الآيات والمستمد من روحها وأسلوبها ومقامها ومن فحوى آيات عديدة أخرى أوردناها في سياق آية مماثلة في سورة المدثر يزيل ما قد يرد من وهم بأن العبارة بسبيل تقرير تحتيم الله الهدى والضلال على أناس بأعيانهم تحتيما لا تبديل فيه، والآيات التي قبل الآية التي تقرر استحقاق الكافر للعذاب والمؤمن للأجر والمغفرة والتي تتضمن تقرير قابلية الاختيار للإنسان قرينة واضحة