يصدر من المؤمنين الأولين رضوان الله عليهم من إيثار للمساكين والمعوزين على أنفسهم ومن برّهم بهم على شدّة حاجتهم تقربا إلى الله تعالى. وقد احتوت آيات عديدة في سور مكية مثل هذه الصورة الرائعة مما نبهنا عليه في مناسباته مثل سور الواقعة والذاريات والمؤمنون والليل وغيرها وغيرها.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن فيما حكي عن الأبرار بهذا الأسلوب المحبب تلقينا مستمرا قويا بما يجب أن يتصف به المسلم من الرفق بالبؤساء والمحتاجين والأرقاء ومساعدتهم في كل ظرف ومن مراقبة الله وابتغاء مرضاته وعدم انتظار الشكر والجزاء من أحد على ما يفعله من خير وبرّ ومعروف، ثم بتحميل نفسه أقصى ما يمكن من الجهد في سبيل ذلك.
وبمناسبة التنويه بالذين يطعمون الطعام على حبّه المساكين واليتامى والأسرى نقول إن هذا الأمر قد تكرر في القرآن والحديث بحيث يقال إنه من المكارم الأخلاقية التي تبنتها الرسالة الإسلامية ودعت إليها في كل ظرف وموقف.
ولقد علقنا على ما أولاه القرآن والحديث من عناية باليتيم والمسكين والأسير أي المملوك في مناسبات سابقة فنكتفي بهذا التنبيه.
[تعليق على موضوع النذر]
وبمناسبة جملة يُوفُونَ بِالنَّذْرِ نقول إن النذر هو ما يوجبه المرء على نفسه من عمل فيه برّ وخير وقربى إلى الله أو يظنه كذلك. وهذا مما كان جاريا عند العرب وغيرهم قبل الإسلام. ومن ذلك ما حكته الآية [٢٦] من سورة مريم فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) والآية [٣٥] من سورة آل عمران إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وهناك روايات عديدة تدلّ على أن هذه العادة كانت شائعة عند العرب قبل الإسلام، كما قلنا، منها رواية المرأة التي نذرت ذبح ابنها عند الكعبة التي أوردناها في سياق تفسير الآيات [١٣٥- ١٤٠] من سورة