مثل تلك الأخلاق الذميمة لا يمكن أن يصدروا عن رغبة صادقة في الاهتداء، ومنها أن الملاينة في الحق والمبادئ والتساهل فيها لا يجوز أن يكون موضع بحث وجدل، وفي هذا ما فيه كذلك من التلقين القرآني الجليل المستمر المدى في كل زمن ومكان.
وعلى اعتبار أن هذه الآيات مما نزل مبكرا فإن فيها تأييدا لما استدللنا عليه من آيات سورة العلق من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد سار في الدعوة علنا منذ بدئها كما هو المتبادر.
[تعليق على ما في التنديد بأخلاق المتصدين لمناوأة الدعوة النبوية من تلقين مستمر المدى]
ومع أن الآيات كما قلنا قبل هي بسبيل وصف أخلاق الطبقة الغنية المترفة التي تصدت لمناوأة الدعوة النبوية وأهدافها فإن فيما احتوته من تنديد بالكذب والأيمان الكاذبة والنميمة والعيب في الناس وشتمهم ومنع الخير عنهم والبغي عليهم وغلظ القلب وقسوة العاطفة تنطوي على تلقينات قرآنية جليلة مستمرة المدى بوجوب احتقار ونبذ المتصفين بهذه الصفات واجتناب هذه الصفات والأفعال الذميمة المكروهة وتنقية النفس من الأوضار. ولقد تكرر ذمّ هذه الأخلاق والصفات ومدح أضدادها في مختلف السور المكية والمدنية معا وبكثرة تغني عن التمثيل مما فيه دلالة على شدة اهتمام القرآن بالأخلاق وتقويمها على اعتبار كون أفعال الناس إنما تصدر عنها وتتأثر بها.
ونكتفي هنا بهذه الكلمة لأن التنديد بالأخلاق السيئة والتنويه بالأخلاق الحسنة سوف يتكرر في تجدد المناسبات الكثيرة الآتية.
ولقد أثر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أحاديث عديدة ورد بعضها في كتب الأحاديث الخمسة في الأخلاق السيئة المندد بها في الآيات. من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن حذيفة قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لا يدخل الجزء الأول من التفسير الحديث ٢٤