وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتقرير الحمد لله والسلام على الذين اصطفاهم من عباده، ثم بتوجيه أسئلة للكفار فيها تقريع وتحدّ واستنكار لكفرهم وجحودهم وشركهم مع ما يقوم من الدلائل الباهرة على وجود الله وشمول قدرته ووحدانيته ومطلق تصرفه ووافر نعمه في الأرض والسماء والمطر والنبات والشجر والليل والنهار والجبال والبحار والأنهار والرياح والنجوم، وتيسير الرزق للناس وكشف الضرّ عنهم، واستخلافهم في الأرض إلخ. وأسلوب الأسئلة استنكاري انطوى فيه كما هو المتبادر تقرير نفي أي احتمال بأن يكون مع الله عزّ وجل إله آخر. والفقرة الأخيرة بخاصة انطوت على تحدي الكفار وتبكيتهم من جهة، وعلى تقرير نفي قدرتهم على إقامة البرهان على صواب شركهم من جهة أخرى.
[تعليق على الآيات التي جاءت بعد سلسلة القصص وتنويه بما فيها من روعة]
والمتبادر أن المشار إليهم في الآية الأولى- أي عباد الله الذين اصطفاهم- الأنبياء السابقون والذين آمنوا بهم تقفية على ذكر قصص بعضهم في الآيات التي قبلها وإنّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى بتقرير الحمد لله، إنما هو بسسبب جعله هو والذين آمنوا به في زمرة الذين اصطفاهم الله، وينطوي في هذا تطمين وتبشير للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة، ودعم لما قلناه من أن الفصل قد جاء معقبا على السلسلة وأن هدفها الجوهري هو الموعظة والعبرة وضرب المثل، وهكذا ترتبط آيات السورة منذ بدئها في سياق منسجم.
وأسلوب الآيات التقريعي يلهم أن سامعي القرآن من الكفار يعترفون بأن الله هو ربّ الأرباب وخالق الكون ومدبره ورازق الناس وملجأهم الأعظم. قد حكت آيات عديدة ذلك عنهم أوردناها في مناسبات سابقة، وبذلك تستحكم الحجة والتقريع والتنديد بهم كما هو المتبادر، والفصل من روائع الفصول القرآنية الشاملة في التنبيه على مشاهد عظمة الله تعالى وقدرته ووحدانيته بسبيل التدليل على أنه هو وحده المستحق للعبادة والاتجاه والدعاء. ويبدو من خلاله صورة رائعة للنبي صلى الله عليه وسلم