تعليق على الآية فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ والآيات الخمس التالية لها
ولقد روى الطبري وغيره في سياق الآية الأولى روايات تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل مستخفيا حتى نزلت، فخرج هو وأصحابه وهذه الروايات لم ترد في كتب الصحاح. ولقد استدللنا من نصوص السور المبكرة في النزول على أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالدعوة منذ نزول الوحي عليه وظل على ذلك دون انقطاع. وكل ما يمكن أن يصح هو أنه كان يلتزم جانب الحذر في الاجتماع والصلاة بأصحابه حماية لهم على ما شرحناه في سياق سورتي العلق والمزمل وقد يكون الاستخفاء الذي ترويه الروايات هو هذا.
ولقد روى الطبري وغيره في سياق الآية الثانية أن خمسة من ذوي الأسنان والشرف في قريش كانوا أكثر المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم مع اختلاف في أسمائهم فلما تمادوا دعا النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الآية. وصار النبي بعدها يومىء على واحد منهم بعد الآخر فلا تلبث أن تصيبه نازلة فتقتله. وفي رواية إن جبريل نزل فأخذ النبي يشير إليهم واحد بعد آخر فيقول له كفيته ثم يصاب بنازلة فتقتله. وفي رواية إن الآية نزلت لتطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتبشيره ثم كانوا من هلكى بدر فتحققت البشرى.
والروايات لم ترد في الصحاح وقد تكون الأسماء التي ذكرت فيها ممن كانوا أشد أذى ومناوأة للنبي صلى الله عليه وسلم من غيرهم. ولكن روح الآيتين ومقامهما يلهمان أنهما جزء من السياق السابق، وإنهما بسبيل تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وبث القوة والجرأة في نفسه مع بشرى من الله عز وجل بأنه كافيه وحاميه وعاصمه من المستهزئين بصورة عامة.
وهي قوية رائعة في تلقينها وتطمينها وفي الخطة الحكيمة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بترسمها إزاء موقف الكفار وعنادهم. وجاءت خاتمة قوية للسورة التي احتوت فصولا في مواقف الكفار وأقوالهم وإنذارهم وطابع الختام بارز عليهما كما هو المتبادر. ولقد تحققت بشرى الله عز وجل لرسوله بأنه قد كفاه المستهزئين وعصمه