إنه ليس على الله سبحانه واجب أو حق نحو خلقه، واستندوا في ذلك إلى آيات قرآنية أيضا مثل: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ سورة الأنبياء [٢٣] وجملة وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ في آية سورة إبراهيم [٢٧] إلخ.
والذي يتبادر لنا أن الله سبحانه استعمل في خطابه القرآني الأساليب التي اعتادها البشر والتي تتفق مع أفهامهم، وأن هذه الآيات وأمثالها لم تورد بسبيل تقرير مبادئ عقائدية وإنما بسبيل تأييد الدعوة وتدعيمها حسب المناسبات ومن هنا جاءت متنوعة الصيغ، وأن الأولى بل الواجب أن تبقى في نطاق ذلك وألّا تحمل ما لا تحمله لأن ذلك أدى ومن شأنه أن يؤدي إلى إبراز التناقض في القرآن، تنزه الله تعالى وقرآنه عن ذلك، وقد قرر الله هذا في آية سورة النساء هذه أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢) وذلك برغم أن كلتا الجماعتين المتشادتين هدفت إلى تنزيه الله سبحانه عن النقائص والنقائض، وغاية ما يمكن أن يقال في الموضوع أن الله سبحانه وتعالى فيما يفعله ويأمر به وينهى عنه ويرتب على أعمال عباده من نتائج إنما يفعل مقتضيات صفات الحكيم العادل فيه. فما دامت حكمته اقتضت أن يكون في عباده قدرة الاختيار للهدى والضلال والخير والشرّ فإنها اقتضت كذلك إرسال الرسل والمنذرين ليبين للناس بواسطتهم أعلام الهدى والضلال والخير والشرّ ونتائجها، واقتضت ترتيب النتائج وفق ما تقتضيه صفة العادل فيه.