تعليق على الآية قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ... والآيتين التاليتين لها وما فيها من تلقين
وقد روى الطبري وغيره «١» أن الآية الأولى نزلت بمناسبة ما وعد به المنافق الجدّ من مساعدة مالية حينما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم بالقعود والتخلف عن الحملة.
ويلحظ أن الأمر في الآية بسبيل إعلان لأكثر من شخص من المنافقين، حيث يفيد هذا أن أكثر من واحد من المنافقين المستأذنين بالتخلف أرادوا أن يجاملوا النبي صلى الله عليه وسلم بالاشتراك في نفقات الحملة. ومهما يكن من أمر فالذي نرجحه أن الآيات لم تنزل لحدتها وأنها استمرار للسياق وجزء من السلسلة.
ومع أن صيغة الآيات تفيد في ظاهرها أنها أمر بتوجيه الخطاب إلى المنافقين السامعين له فالذي يتبادر لنا استلهاما من روح الآيات وفحواها وبخاصة الآية الثانية والثالثة منها ثم من نزول السلسلة في أثناء السفر على ما تلهمه بعض آياتها أن هذه الصيغة أسلوبية. وأن الآيات بسبيل التنديد والتقريع وإعلان حالة المنافقين على حقيقتها من كفر وكسل واستثقال وكره أولا ثم بسبيل التهوين مما عندهم من كثرة مال وأولاد.
وفي الآيات ما يدل على أن طبقة المنافقين كانت أو كان أكثرها من ذوي اليسار والجاه. ولعل هذا من أسباب ما كان منها من مخامرة ونفاق. وكان هذا من أسباب ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة من مناوأة على ما شرحناه في مناسبات عديدة في السور المكيّة.
والخطاب وإن كان موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه موجه إلى المسلمين من جهة وإلى المنافقين من جهة أخرى أيضا على ما يلهمه روحها وهدفها. للأولين على