أولا: إن القرآن سلسلة تامة للسيرة النبوية وتطورها منذ البدء إلى النهاية متصل بعضها ببعض، ومفسر بعضها لبعض، مع ملاحظة الاستدراك الذي أوردناه في آخر الفقرة (٥) من الفصل الأول.
ففي كل سورة من سوره ومجموعة من مجموعاته، أو فصل من فصوله صورة لموقف من مواقف النبي من سكان بيئته من العرب وغير العرب ومن المشركين والكتابيين، أو صورة لموقف من مواقفهم منه ومن دعوته، أو صورة من صور مواقف النبي من الذين استجابوا للدعوة أو من مواقفهم منه، أو من مواقف الكفار منهم أو مواقفهم من الكفار أو صورة لتطورات جميع هذه المواقف، دعوة وتبيانا وبرهنة وتدليلا وعظة وتنبيها وتبشيرا وإنذارا، ووضعا وتشبيها وقصصا وأمثالا وترغيبا وترهيبا ووعدا ووعيدا، وجدالا وتحديا وعنادا ومكابرة واستكبارا وأذى، وتنديدا وتنويها وتسلية وتثبيتا وتطمينا وتعبيرا، وسؤالا وجوابا وجهادا وتشريعا إلخ وكل صورة معطوفة على صورة سابقة أو مرتبطة بصور لاحقة، في اتساق وانسجام تامين وضمن نطاق واحد مما يتضح لكل من ينعم النظر في القرآن ويقرأ سورة خاصة وفق تتابع النزول بقدر الإمكان.
وملاحظة ذلك مهمة جدا في فهم مواضيع القرآن وتقريراته ومداها وروحه وفي جعل الناظر فيه لا يبتعد عن حقيقة الواقع والباعث ويعصمه من التورط، ولا يتورط في التخمينات والتزيدات والجدليات وتحميل العبارات القرآنية ما لا تتحمله. وتوضيحا لذلك نقول إن في القرآن مثلا ما يفيد أنه جرى تبديل بعض الآيات ببعض وإنه نسخت بعض آيات أو أمور مأمورة بغيرها كما يدل على ذلك آيات النحل:[٩٨- ١٠٥] والبقرة: [٩٨- ١٠٥] ، وفيه ما يفيد أن أحكاما وأوامر وتشريعات عدلت أو نسخت أو تطورت كما تدل على ذلك آيات الأنفال:[٦٥- ٦٦] والمجادلة: [١٢- ١٣] والنساء: [١٥- ١٦] والنور: [٢] ، وفيه تنوع في الخطاب للناس عامة مسلمين وغير مسلمين، سواء أكان ذلك في صدد الدعوة أم