. في الآية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالتزام خطة الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى سبيل الله وجدال الناس في صددها بالحسنى وإيكال الأمر بعد ذلك إلى الله، فهو الذي يعلم من هو الضالّ عن سبيله ومن هو المهتدي.
ولم نطلع على رواية ما في صدد نزولها كذلك. ويتبادر لنا أن الصلة بينها وبين سابقاتها قائمة. فموضوع التحليل والتحريم وملّة إبراهيم مما يكثر الجدل فيه. ولعلّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرج وأثير غضبه في ذلك الموضوع في موقف من المواقف فاقتضت حكمة التنزيل بعد بيان حقيقة هذه الملّة وكونها طريق الله الحق التي أوحى الله للنبي صلى الله عليه وسلم باتباعها وكون ما أوحاه الله في صدد التحريم والتحليل هو الحقّ في هذه الملة أن يهدّأ النبي صلى الله عليه وسلم ويعلّم الخطة الحكيمة التي يحسن أن يسير عليها من جهة وأن يسلّى من جهة أخرى. فذوو القابليات الحسنة والقلوب السليمة لا بدّ من أن يدركوا الحقّ ويهتدوا به، وأضدادهم لا يدركون لأنهم يتعمدون المكابرة والعناد وليس على النبي صلى الله عليه وسلم من تبعتهم شيء وليس عليه إلّا أن يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وإذا صار جدال فينبغي أن يكون في نطاق الرفق واللين والحسنى.
ومع اتصال الآية بالسياق السابق وموضوعه كما قلنا فإن الخطة التي احتوتها والتي جاءت مطلقة عامة من جلال الشأن وبعد المدى في الذروة التي ليس بعدها شيء في صدد الدعوة إلى الإسلام الذي هو سبيل الله والتي تترشح بها الرسالة الإسلامية للشمول والخلود وهي مستمرة التلقين عامة المدى بحيث توجب على المسلمين في كل زمان ومكان أن تكون هي خطتهم في الدعوة إلى الإسلام وبحيث توجب أن تكون خطة كل داع إلى مبادئ الحق والخير التي هي من سبيل الله.