لينتفع بها شتى الانتفاعات. وسخر له الجن يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان واسعة كأنها الأحواض وقدور عظيمة ثابتة. وأمرهم بالائتمار بأمره وأنذر من يحاول التملص والتفلت بالعذاب الشديد. وقد أمر الله آل داود أي داود وسليمان شكر نعمة الله وفضله عليهم، والشاكرون من عباده قليلون. ولما قضى الله الموت على سليمان لم يعرف الجن ذلك إلا بعد أن خرّ على الأرض بسبب انقصاف عصاه التي كان يتكىء عليها من نخر السوس. وجاء ذلك برهانا على أن الجن لم يكونوا يعلمون الغيب، إذ لو كانوا يعلمونه لعلموا بموت سليمان حينما مات، ولما ظلوا يقاسون العذاب المهين فيما كانوا يقومون به من الخدمات الشاقة مدة طويلة بعد موته.
[تعليق على قصة داود وسليمان في السورة]
والمتبادر الذي تلهمه روح الآيات أنها بسبيل التذكير بما كان من إخلاص داود وسليمان واعترافهما بفضل الله وشكرهما له مع ما كان لهما من سعة ملك وسلطان، وضرب المثل بهما للكفار الذين يقفون من آيات الله ونعمه موقف العناد والمكابرة والجحود والتكذيب. وعلى ذلك تكون الآيات استطرادية متصلة من ناحية التمثيل والتذكير بالآيات السابقة لها التي احتوت ذكر مواقف الكفار وجحودهم شأن القصص القرآنية عامة.
ولعله أريد بالآيات تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الكفار يقفون من دعوته إلى الله ذلك الموقف فإن من عباده من يشكره على نعمه ويقف منه موقف العابد الأواب المسبح دائما بحمده وهم من أعظم الناس شأنا وسلطانا كداود وسليمان عليهما السلام.
ولقد جاء في سورتي «ص» و «النمل» اللتين سبق تفسيرهما فصلان طويلان عن داود وسليمان في أعقاب ذكر ما كان من مواقف تكذيب الكفار ومكابرتهم وعنادهم. ولمحنا فيهما هذا القصد حيث تكون حكمة التنزيل اقتضت أن ينزل مثل ذلك مرة أخرى في مناسبة مماثلة متجددة.