في هذا المعنى. فالوفد الإسرائيلي الذي سمع كلام الله تعالى طمع، فقال لموسى عليه السلام: أرنا الله جهرة كما ذكر ذلك في آية سورة البقرة هذه التي ذكرت أن الله أخذهم بالصاعقة: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) وهذا نفس الشيء الذي حكته الآية التي جاءت فيها العبارة- وليس بين الصاعقة والرجفة تناقض- لأنهم أظهروا ضعفهم أمام الاختبار الرباني وتجاوزوا الحدود في طلبهم وطمعهم. على أن في الآية التي وردت فيها هذه العبارة بالذات ما يزيل أي توهم حيث احتوت تقريرا ربانيا بأن الله سيكتب رحمته التي وسعت كل شيء للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآيات ربهم يؤمنون. حيث ينطوي في ذلك أن الضلال والهدى إنما يجري بسنّة الله عزّ وجلّ على الناس حسب مكتسباتهم واختيارهم وسجاياهم.
تعليق على جملة قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ إلخ من الآية [١٥٦]
وهذه الجملة تتحمل تعليقا خاصا. والمتبادر من نظم الكلام أنها جواب من الله عزّ وجلّ إلى موسى الذي حكى أول الآية مناجاته لله وطلبه أن يكتب له ولقومه في الدنيا حسنة وفي الآخرة وإعلانه أنهم هادوا إليه. غير أنها شاملة المدى كما يبدو من التمعّن فيها لقوم موسى ومن بعدهم وهي بسبيل تقرير وعد الله تعالى بأن يتغمّد برحمته التي وسعت كل شيء الذين يتّصفون بالصفات المذكورة فيها التي فيها جميع أسباب الصلاح والنجاة في الدنيا والآخرة. وينطوي في الآية دعوة الناس جميعهم إلى الاتصاف بها لينالوا رحمة الله الواسعة وتوفيقه وعنايته.
وفي الشطر الثاني تخصيص لما جاء مطلقا في الشطر الأول. فرحمة الله إنما ينالها المتّصفون بتلك الصفات وحسب. وهذا الشطر يزيل ما يمكن أن يتبادر إلى الوهم من عبارة عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ بكون الله تعالى يصيب بعذابه من يشاء من الناس بدون سبب منهم حيث يقتضي من الجواب الرباني أن يكون العذاب