الميرة فجاعوا حتى أكلوا الجيف فأرسلوا إليه يذكرونه بالرحم فأشفق عليهم وسمح لهم بالميرة. وإن الخوف الذي ذكر في الآية هو ما كان بسبب سرايا رسول الله التي كان يسيرها نحوهم. وهذا يقتضي أن تكون الآيات مدنية. ولم نطلع على رواية تذكر ذلك. ولقد أوردنا في سياق تفسير سورة الدخان روايات تذكر أنه طرأ على مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة مجاعة أدت إلى خوفهم واضطرابهم وأن بعض زعماء مكة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فناشدوه الرحم وطلبوا منه أن يدعو الله بكشف العذاب عنهم. وبعد انكشاف العذاب عادوا إلى موقفهم المناوىء فأنذرهم الله بالبطشة الكبرى في سورة الدخان. والذي يتبادر لنا أن هذه الآيات بسبيل التذكير بذلك وتعليل ما أصابهم بموقفهم الباغي الظالم. ونزول سورة الدخان ليس بعيدا عن نزول هذه السورة. ولعل ما طرأ عليهم كان ما يزال. فإذا صح هذا- ونرجو أن يكون صحيحا- فتكون صلة هذه الآيات بسابقاتها واضحة حيث احتوت سابقاتها حملة على الكفار وزعمائهم بخاصة لمواقفهم المناوئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم له وتشويشهم عليه وإكراه من استطاعوا على الارتداد عن الإسلام فجاءت الآيات تذكرهم بما هم فيه من بلاء وتؤذنهم بأنه بعض جزائهم العاجل من الله، وتجعل مكة في ذلك مضرب المثل والعبرة.
تعليق على جملة وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ
لقد وقف الطبري عند هذه الجملة فاستنبط منها ما يفيد أنها منطوية على تذكير العرب السامعين بأنهم يعرفون الرسول ويعرفون نسبه وصدق لهجته. ولا يخلو هذا من صواب وقد تضمن هذا المعنى آيات أخرى منها آيات سورة يونس [١٥- ١٦] وآيات سورة المؤمنون [٦٨- ٧٠] على ما نبهنا عليه في مناسباتها.
وقد يصح أن يضاف هنا إلى هذا أن الجملة يمكن أن تكون انطوت أيضا على قصد التدليل على باعث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هدايتهم وتجرده عن المآرب والمقاصد في ذلك وهو شدة المعصية في ذلك الوقت في العرب التي تجعل العربي يتحمل