وظلت جهرة. وهذا هو المعقول المتسق مع هدف الدعوة وإيمان النبي بالله ورسالته.
والمتبادر أن هذه الآيات قد نزلت بعد نزول الآيات الخمس الأولى بمدة ما، وبعد نزول جملة من القرآن تتضمن أمرا بالدعوة وشيئا من مبادئها وأهدافها. وبعد أن سار النبي صلّى الله عليه وسلّم في دعوته شوطا ما، حيث أخذ يتصل بالناس ويدعوهم ويبشرهم وينذرهم ويتلو عليهم ما أوحي إليه من آيات القرآن وسوره ويصلي جهرة، فتصدى له الطاغية فنزلت منذرة منددة، مذكرة قارعة.
وإلحاق هذه الآيات بالآيات الخمس الأولى حيث تكونت شخصية السورة يدل على أن سور القرآن كانت تؤلف أولا فأولا، وعلى أن المشهد الذي احتوته لم يتأخر كثيرا. ولعله من أوائل مشاهد المناوأة للدعوة والتعرّض لصاحبها مما يدل عليه إلحاق آياته بأولى آيات القرآن نزولا.
[موقف الزعامة من النبي وموقف النبي منها منذ البدء]
وفي الآيات وبخاصة في الآيات [١٥- ١٩] تطمين وتثبيت للنبي صلّى الله عليه وسلّم إزاء تعرض الزعيم الطاغية كما هو واضح، وقد ثبت فيه بدون ريب الطمأنينة والقوة والعزم على متابعة مهمته العظمى. ومما لا ريب فيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد تلا الآيات حتى وصلت إلى مسامع الطاغية، بل من المحتمل القوي أن يكون قذف بها في وجهه مباشرة.
وإذ يتصور المرء النبي صلّى الله عليه وسلّم يصرخ في وجه هذا الطاغية المعتدّ بماله وقوته وناديه صرخته المدوية تردادا لوحي الله: كلا كلا، ثم يقذف بكلمات التنديد والتهديد والتحدي والإنذار القرآنية غير مبال بالزعامة وقوتها وهو من دون نصير من الناس ولم يكن قد آمن به من يستطيع له نصرا ويقف في جانبه يدرك من دون ريب تلك الشجاعة التي كان يتحلى بها والتي استمدها من إيمان عميق مستول على