يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)
. تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ... إلخ وما فيها من تلقين وما ورد في صددها من أحاديث وروايات
عبارة الآية واضحة. وقد تضمنت نهيا للمسلمين عن تحريم ما أحل الله لهم من الطيبات على أنفسهم وعن تجاوز حدوده. وأمرا بالأكل مما رزقهم الله من الحلال الطيب مع التمسك بواجب تقواه وهو الذي يؤمنون به. وواضح من روح الآية ونصها أن جملة لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ لا تعني النهي عن جعل الحلال حراما دائما وإنما تعني النهي عن حرمان النفس بالاستمتاع بما هو مباح حلال من الطيبات.
والآيات فصل جديد كما تبدو. وقد روى الطبري «١» عن ابن عباس وعكرمة والسدي وقتادة وغيرهم روايات عديدة مختلفة الصيغ متفقة المعنى كسبب لنزول الآيات. وهي أن جماعة من المسلمين اختلفت الروايات في أسمائهم وفيمن سمتهم من كان من كبار أصحاب رسول الله مثل عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والمقداد بن الأسود أرادوا أن يقلدوا الرهبان والقسيسين فحرموا على أنفسهم النساء والمطاعم الطيبة والمشارب اللذيذة وتفرغوا للعبادة من صلاة وذكر وصوم وأرادوا أن يتخذوا لأنفسهم صوامع ومنهم من حاول أن يقطع مذاكيره. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فكرهه وأغلظ لهم المقال ثم قال «إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد. شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم. وإني لأقوم وأنام وأصوم وأفطر وآتي النساء فمن أخذ بسنّتي فهو مني ومن رغب عن سنتي فليس
(١) لقد روى المفسرون الآخرون ما رواه الطبري فاكتفينا بالعزو إليه.