ولقد ظل القرآن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمرار في توجيه كل رعايته وعنايته وعطفه وتفضيله للمؤمنين بقطع النظر عن مراكزهم الاجتماعية مما انطوى في آيات سورة عبس الأولى التي سبق تفسيرها وفي آيات سورة الأنعام [ (٥٢- ٥٤) ] التي أوردناها في سياق قصة نوح في هذه السورة ثم في آيات سورة الحجر هذه لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وسورة الكهف هذه وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) ومما يمتّ إلى هذا التلقين والتوجيه القرآني الجليل.
وهذه الآيات مكية. والحكمة في تواليها في السور المكية بخاصة كون الفروق الاجتماعية بين بعض فئات المؤمنين والكفار في مكة كانت بارزة وكان زعماء الكفار يغمزون بالفقراء والضعفاء من المؤمنين ويزدرون بهم.
وليس من شأن ذلك أن يضعف قوة التوجيه والتلقين وشمولهما بطبيعة الحال.
وهذا التعليم مستمر التلقين من دون ريب، يمكن بل يجب أن يكون خطة عامة للمسلمين وبخاصة لزعمائهم ودعاة الإصلاح منهم والمشتركين في خطة فيها إصلاح وصلاح سواء أفي إيجاب التضامن التام بينهم وعدم الاهتمام بالنوازع الخاصة والعواطف العائلية أم في إيجاب البرّ والرأفة والتفضيل والتضامن على الزعماء والدعاة لمن يستجيبون إلى دعوتهم ويندمجون فيها مهما كان شأنهم.