في الجملة جواب على الأسلوب الحكيم على ما قد يتساءل الناس عنه من حكمة خلقهم وخلق الأكوان وبداية ذلك ونهايته. فهذا التساؤل لا طائل من ورائه لأن ذلك من سر الله عز وجل والأولى بالإنسان أن لا يتساءله وأن ينصرف إلى ما يجب عليه من الأعمال الصالحة والتسابق فيها وأن يعتبر ذلك من حكمة الله تعالى في خلقه على الصورة التي خلقه عليها. والله أعلم.
ولقد توقف بعض المفسرين عند كلمة لِيَبْلُوَكُمْ لأن فيها معنى لا يتسق مع علم الله المحيط الأزلي الأبدي وخرجوها بأن ذلك على سبيل التمثيل والاستعارة والمجاز أو لتحقيق العلم الأزلي بالواقع العملي. أو ليمتاز صاحب العمل الحسن من صاحب العمل السيء وينال كل ما يستحقه حقا وعدلا. ومع وجاهة هذه التخريجات فالذي يتبادر لنا أن التعبير أسلوبي لمخاطبة الناس وبيان حكمة الخلق ولتنبيه الناس بأنهم تحت اختبار الله ورقابته ليلتزموا حدود ما رسمه الله من أوامر ونواه. وليس فيها إشكال يتحمل التوقف. والله تعالى أعلم.
وفي الآيات إشارة تنديدية إلى خلق فاش في سواد الناس وهو أن المرء إذا ناله ضيق وعسر وضر بعد سعة ويسر ورخاء يئس وكفر، وإذا ناله خير بعد شر ورخاء بعد عسر فرح وبطر وظن أنه قد أمن حوادث الدهر ومفاجات الأيام. وقد استثنى المؤمنون الصابرون الذين يعملون الصالحات من التنديد وقرر لهم على صبرهم مغفرة الله وأجره الكبير.