[سبب وقوف زعماء قريش موقف المعاداة والتكذيب، مع أنهم كانوا يتمنون بعثة نبي منهم بكتاب بلغتهم]
والآية الثانية من آيتي سورة فاطر التي نحن في صددها تتضمن السبب الذي حدا إلى نكث من نكث أيمانه من هذا الفريق، حينما تحقق ما انتظروا وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب عربي مبين وهو الاستكبار عن شخص النبي صلى الله عليه وسلم المبعوث فيهم الذي أداهم إلى الوقوف منه موقف التصامم والمناوأة والكيد والبغي والمكر السيء. والمتبادر أنهم من طبقة الزعماء والأغنياء، وفي ذلك الظرف قلّ أن ينبه نابه من غير هذه الطبقة، فأنفوا أن يتبعوا النبي الذي لم يكن من طبقتهم. ولعل منهم من حسد النبي صلى الله عليه وسلم لاختصاصه دونهم بالرسالة، فأعمى الهوى بصيرته، وكان مثله كمثل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، على ما جاء في آية سورة الأعراف [١٧٥] التي روى المفسرون في سياقها اسمين من أسماء نابهي العرب الذين كبر عليهم اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم من دونهم، وهما أمية بن الصلت وأبو عامر الراهب على ما شرحناه في سياق الآية المذكورة. وفي آيات سورة ص هذه وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) . وفي سورة الزخرف آية من هذا الباب فيها صراحة أكثر بالنسبة للموضوع وهي هذه وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أي أنهم استغربوا واستكبروا أن يكون النبي الذي ينزل عليه القرآن محمدا صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن معدودا من طبقة الزعماء، وقالوا كان ينبغي أن ينزل القرآن على عظيم من عظام مكة أو الطائف.
ولقد كان بنو أمية أكثر بروزا من بني هاشم في مكة وكانت لهم قيادة الحرب فحسبوا حساب استعلاء بني هاشم عليهم إذا نجحت دعوة النبي الهاشمي فحفزهم ذلك إلى مناوأته. ولقد أثر عن عمرو بن هشام المخزومي الذي يكنى في الإسلام