. وفي هذه الآية هتاف بالناس، والمقصود منهم المشركون، على ما يفيده فحواها ليستمعوا إلى ما يقال لهم ويتدبّروه: فالذين يدعونهم من دون الله ويشركونهم معه لن يخلقوا شيئا مهما تفه كالذباب ولو اجتمعوا وظاهر بعضهم بعضا. بل إنّ عجزهم لا يقف عند هذا فإن الذباب الذي هو من أتفه وأضعف مخلوقات الله لو هبط على آلهتهم وامتصّ ما يعلوها من المواد لعجزوا عن منعه من ذلك واستنقاذ ما امتصّه منهم ومنعه عن أنفسهم. وإن في هذا الواقع لتتجلّى شدّة عجز الشركاء وشدّة سخف الذين يشركونهم مع الله.
والآية متصلة على ما هو المتبادر بما سبقها اتصال تعقيب وتسفيه وتنديد وتحدّ وسخرية وهي قوية لاذعة في كلّ ذلك وفي صكّ أسماع المشركين بها وفي الاستهانة بما ستحدثه فيهم من غيظ وثورة نفس ويتجلّى خلالها ما تجلّى خلال سابقاتها من عظمة موقف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصفاته أيضا.
وفحوى الآية يفيد أن المقصود من الشركاء هم الأصنام والأوثان وفي ذلك تتضاعف قوّة التحدّي والسخرية وإبراز الضعف والعجز.
[[سورة الحج (٢٢) : آية ٧٤]]
ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤)
. وهذه الآية متصلة بالسياق اتصال تعقيب وتنديد أيضا: فالمشركون لم يقدروا الله حقّ قدره ولم يفهموه واجب فهمه فسخفوا وضلّوا مع أنه هو القوي الذي لا يباريه في قوته شيء والعزيز الذي لا يدانيه في عزّته أحد.
وإذا لا حظنا أن المشركين يعترفون بصفاته المذكورة ظهرت قوّة التناقض والتنديد والتسخيف التي انطوت في الآية.