تعليق على الآية فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ومسألة الإجبار على الجهاد والجندية
وقد روى المفسرون أن الآية نزلت في مناسبة دعوة النبي المسلمين إلى الخروج إلى موعد أبي سفيان الذي واعده بعد وقعة أحد من سنتها القابلة، حيث تثاقل الناس. فأعلن النبي بناء على هذه الآية أنه ذاهب إلى الموعد ولو بنفسه فانضمّ إليه من أصحابه سبعون ووصلوا المكان المتفق عليه وهو بدر فلم يجدوا أعداءهم لأن أبا سفيان أخلف الوعد بحجة الجدب «١» .
والرواية لم ترد في كتب الصحاح. ولم يروها الطبري. ولكنّا نرى صحتها محتملة بل إنه يرد على الخاطر أن السياق السابق منذ الآية [٧١] قد نزل والله أعلم في هذه المناسبة. فمن المحتمل أن يكون فريق من المسلمين المستجدين أو الذين في قلوبهم مرض ولم يرسخ إيمانهم قد ترددوا في الاستجابة إلى دعوة النبي إلى الخروج للقاء المشركين القرشيين بناء على موعد أبي سفيان وتذمروا بعد أن وقع عليهم ما وقع من هزيمة وخسائر في وقعة أحد فنزلت الآيات منددة مذكرة منذرة واعظة ثم جاءت الأخيرة التي نحن في صددها لحسم الموقف فأوجبت على النبي القتال بنفسه على كل حال وأعفته من المسئولية عن غيره والاكتفاء بتحريض المسلمين على القتال.
وفي الآية ثم في الآيات السابقة لها من الآية [٧٠] وما بعد صورة لما كان عليه الحال حين نزولها في أمر الجهاد كما هو المتبادر. حيث كان سلطان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتوطد توطيدا يجعله قادرا على التجنيد الإجباري إن صح التعبير. وقد استمر هذا طيلة حياته أيضا على ما تفيده آيات عديدة منها فصل طويل في سورة التوبة، نزل في مناسبة غزوة تبوك التي كانت في السنة التاسعة للهجرة. ولعل ذلك متصل بحياة العرب الاجتماعية والمعاشية. غير أن المنافقين وبعض المسلمين في
(١) انظر تفسير الآيات في الخازن والطبرسي وانظر طبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٠٠- ١٠٢.