تعليق على الآية ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ.. والآية التالية لها وما فيهما من تلقين
لم نطلع على رواية خاصة في سبب نزول الآيتين كذلك. والمتبادر أنهما معقبتان أيضا على الآيات السابقة وعلى سبيل الحثّ والتنبيه والتحذير بمناسبة ما ورد في الآيات السابقة من خبر تخلّف المتخلّفين واعتذار المعتذرين من أهل المدينة والأعراب. وهما والحالة هذه متصلتان بالسياق. والراجح أنهما نزلتا بعد الآيات السابقة لهما فوضعتا مكانهما للتناسب الزمني والموضوعي.
وقد قلنا في شرح الفقرة الأولى من الآية الأولى: ما كان ينبغي لأحد من أهل المدينة ومن حولها من الأعراب أنها في معنى أنه ما كان يصحّ ولا ينبغي لأحد ما أن يتخلّف عن رسول الله حين يدعو إلى الجهاد أو أن يفضل لنفسه العافية دونه، لأن روح الفقرة قصدت ذلك كما يتبادر منها ولأن الوقائع اليقينية ذكرت أن الجمهور الأعظم من أهل المدينة وكثيرا من أعرابها لم يتخلّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واختصاص أهل المدينة ومن حولها من الأعراب بالذكر قد يكون هدف إلى التنبيه على أن واجب هؤلاء في عدم التخلف هو ألزم وأشدّ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم ولأنه إذا كان للبعيدين ما يمكن أن يكون عذر ما يسبب بعدهم وغيابهم وظروفهم فهذا ليس واردا بالنسبة للقريبين إلى النبي صلى الله عليه وسلم المتصلين به مباشرة.
ولا سيما أن الدعوة تصل إليهم بيسر. ويفرض أن يكونوا ملمّين بالظروف والبواعث.
والنبي عمود الدعوة والقريبون إليه هم أولى الناس بالالتفاف حوله. وهذا الاختصاص بهذا البيان لا يعني كما هو المتبادر تخفيف واجب المسلمين البعيدين.
ومع خصوصية الآيتين الزمنية فإنها، فيما عدا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، محكمة الأمر عامة التوجيه مستمرة التلقين فيما هو المتبادر. فجمهور المسلمين مدعو إلى التضامن مع أولياء أمره ودعاته المخلصين في الجهاد في سبيل الله في كلّ مناسبة ملزمة. وواجب القريبين لمجالات الجهاد وظروفه وأسبابه واجب ألزم لا يصح فيه