للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم فثبتوا في محلّتهم. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية دون غيرها مع أنها منسجمة مع السياق ولم يرو أحد أنها مدنيّة. ولقد روى الحديث الشيخان والترمذي دون ذكر كون الآية نزلت بسبب رغبة بني سلمة في الانتقال إلى قرب المسجد وجاء في صيغة الشيخين والترمذي: «إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا» «١» حيث ينطوي في هذا إيعاز تطبيقي وتطميني وحسب.

وروى ابن كثير والطبرسي أن الآيات نزلت في مناسبة محاولة أبي جهل وبعض قومه البطش بالنبي صلى الله عليه وسلم ونثره التراب عليهم أو رؤيتهم مشهدا مفزعا جعلهم ينكصون أو يغشى على أبصارهم. ولقد أوردنا رواية فيها شيء من مثل ذلك عن أبي جهل في سياق سورة العلق.

وعلى كل حال فالآيات بسبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته إزاء ما كان يلقاه من قومه من عناد وجحود ومناوأة. وأسلوبها قوي نافذ. والراجح أنها نزلت في ظرف كان لهم أو لبعضهم موقف شديد من ذلك أثار النبي صلى الله عليه وسلم وآلمه فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بها للتطمين والتثبيت من جهة والتنديد والتقريع والإنذار من جهة أخرى.

تعليق على آيات إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا ...

إلخ والآيات [٧- ٩] قد توهم أن الكفار قد وقفوا موقف الجحود والعناد بتحتيم رباني لم يكن لهم منه مناص. غير أن التروّي فيها وفيما قبلها وما بعدها يؤيد التأويل الذي أوّلناها به. فالآية [١٠] تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عليه إنذار من اتّبع الذكر وخشي الرحمن وبعبارة أخرى من صدقت رغبته في اتّباع الحق. وهذا يعني أيضا أن الكفار إنما وقفوا موقفهم لخبث نيّتهم وعزوفهم عن الحق فحقّ عليهم القول. فهي من باب وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ في الآية [٢٧] من سورة إبراهيم


(١) التاج ج ٤ ص ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>