. وجّه الخطاب في الآية إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت تقرير كون مدن كثيرة كان أهلها أشد قوة من أهل مدينته الذين اضطروه إلى الخروج منها قد أهلكهم الله ولم يجدوا لهم ناصرا منه.
وقد انطوى في هذا التقرير تقرير كون الله قادرا من باب أولى على إهلاك أهل مدينته والتنكيل بهم. واستهدفت الآية بذلك تسلية النبي وتطمينه وتثبيته كما هو المتبادر.
وقد روى المفسرون «١» عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا التفت إليها وقال: أنت أحبّ بلاد الله إلى الله وأنت أحبّ بلاد الله إليّ ولولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك فأعدى الأعداء من عدا على الله في حرمه أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية. فأنزل الله الآية. وقد ذكر المصحف الذي اعتمدناه أنها نزلت في طريق هجرة النبي إلى المدينة أيضا.
غير أننا نلاحظ أن الآية متصلة بما سبقها من إنذار ووعيد للكفار ومنسجمة في السياق انسجاما وثيقا في حين أن الروايات تفيد أنها نزلت منفصلة عنها وفي ظرف غير ظروف نزولها مما يسوغ الشك فيها. وهذا لا يمنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ظل يذكر مرارة موقف مشركي قريش منه واضطراره بسبب ذلك إلى الخروج من بلده، فاقتضت حكمة التنزيل الالتفات في الخطاب إليه في سياق إنذار الكفار وتثبيته وتطمينه بأن الله سوف ينتقم منهم كما انتقم ممن هم أشد منهم قوة.
. في الآية تساؤل إنكاري عما إذا كان الذين هم على بينة من ربّهم سائرون
(١) انظر الطبري والبغوي والخازن وابن كثير. وننبه على أن رواية البغوي للنص ليس فيها جملة (فأعدى الأعداء) إلخ وهذه الجملة من مرويات الطبري. والخازن عادة ينقل عن البغوي وابن كثير عن الطبري.