بظروف البعثة والسيرة النبوية وتطوراتهما أوثق اتصال، وثانيا أصدق الصور وأوثقها للسيرة النبوية الشريفة في عهديهما المكي والمدني، وسواء في ذلك ما كان روحاني المظهر من حيث الصلة بالله ووحيه وتلقينه وتوجيهه ومدده وتأييده وتعليمه وتأديبه وتثبيته، أو ما كان متصلا بالناس من حيث مواقفهم من النبي عليه السلام ودعوته مسلمين وكتابين ومشركين، ومن حيث تأثرهم بهذه السيرة وهم شهود العيان لحادث «نبوة النبي» في شخص محمد عليه السلام، ثم من حيث موقف النبي من الناس ومن حيث تطور موقفهم منه وموقفه منهم بتطور الدعوة واتساع نطاقها.
فالقرآن من أجل ذلك كله كان وسيظل موضوع نظر وتدبر واستلهام واستنباط لدى الناس على مختلف الملل والنحل والأجناس بطبيعة الحال.
ونريد أن نستدرك بأننا لا نعني أن القرآن قد احتوى جميع صور السيرة النبوية والبيئة النبوية وأحداثها، أو أن ما احتواه منها قد جاء قصدا لها بالذات. فهناك من دون ريب أحداث وصور كثيرة من البيئة والسيرة النبوية لم ترد في القرآن، كما أن ما جاء منها فيه إنما جاء في الحقيقة عرضا وبسبيل الدعوة والموعظة والتذكير والتشريع والأمر والنهي مما اقتضته الحكمة ليكون مصدر إلهام وإيحاء وتوجيه، ومرجع تشريع وتلقين للمسلمين في جميع العصور، ولكن الذي نعنيه أن في القرآن من هذه الصور شيئا كثيرا منه ما جاء بصراحة ووضوح ومنه ما جاء إشارة وتلميحا.
- ٦- الوحي الرباني والوحي القرآني:
وصلة النبي عليه السلام بالوحي الرباني التي كان القرآن مظهرها الرئيسي وإن كانت وظلت في حقيقة كنهها سرا على غيره، لأنها متصلة بسرّ النبوة فإن القرآن احتوى آيات عديدة قد تساعد بعض الشيء على فهم مظاهرها ومداها بقدر ما تسمح به اللغة البشرية وتتسع له أفهام البشر الذين يتخاطبون بها.