والمدقق في آيات القرآن التي تفيد ذلك يجد القرآن يورد التقريرات المقتضية حسب الأحداث والظروف وتنوعها وتطورها على أسلوب الحكيم، فلا يدخل في نقاش جدلي إلا بمقدار الضرورة المتناسبة مع الموقف الواقعي، فيعلمنا بذلك الطريقة المثلى لفهم القرآن وروحه ومداه وظروف تنزيله وتنوعه وأسلوبه، وكون المهم فيه هو الإصلاح والتوجيه إلى خير الوجهات لظروف قائمة وأذهان وفئات ومواقف متفاوتة ومتنوعة ومتطورة، وينطوي ذلك في الوقت نفسه على التلقين والتوجيه المستمرين إلى الآماد التالية مما يرشح القرآن للخلود والشريعة القرآنية الإسلامية للعمومية والأبدية.
- ٢- القرآن والبيئة النبوية:
وثانيا: إن الصلة قائمة ووثيقة بين ما كانت عليه بيئة النبي وعصره من تقاليد وعادات وعقائد وأفكار ومعارف وبين البعثة النبوية والسيرة النبوية، وبالتالي بين الوحي القرآني وبين ما كانت عليه هذه البيئة.
وهذه الصلة واضحة أولا من جهة أن الدعوة النبوية والوحي القرآني بوجه عام إنما اقتضتهما حكمة الله بسبب ما كان عليه الناس- وأهل بيئة النبي في مقدمتهم وهم المخاطبون الأولون- قبل البعثة من ضلال في فهم وإدراك وجوب وجود الله وكمال صفاته ونزاهته عن الشريك والولد واستغنائه عن الولي والمساعد ومطلق تصرفه في كونه، واستحقاقه وحده للعبودية والخضوع والاتجاه ووجوب نبذ ما سواه، ومن انحراف عن طريق الخير والحق والعدل والفضيلة ومن اختلاف عظيم في المذاهب والعقائد والطقوس، سواء في ذلك كله العرب وغيرهم، والكتابيون والمشركون، ثم بسبب أن ذلك ناشىء عن ما كان من تقاليد وعادات وأفكار ومعارف وأهواء وتأويلات ومفاهيم من ما احتواه القرآن من فصول الجدل والتنديد والتقريع في صدد هذه التقاليد والعادات والأفكار والمعارف والأهواء والتأويلات والمفاهيم التي احتوى القرآن إشارات كثيرة إلى كثير من صورها المتنوعة، وربط بينها وبين مواقف العرب والدعوة النبوية.