وبمناسبة ورود كلمة الْجِنَّةِ لأول مرة نقول: إن هذه الكلمة وبعض متشابهاتها وتفرعاتها اللفظية مثل جن وجنين تنطوي على معنى الاستتار والخفاء في اللغة العربية. وهذا يسوغ القول إن معنى الخفي والمستور وغير المرئي بالنسبة إلى الجن والجنة مما كان مستقرا ومفهوما في أذهان العرب قبل الإسلام. ولعل مما يصح قوله أن إطلاق التسمية مقتبس من المعنى اللغوي الذي يمكن أن تكون صيغته الفصحى متطورة عن جذر قديم أطلق على العناصر الخفية الشريرة التي كان الاعتقاد بوجودها طورا بشريا عاما مشتركا بين الأمم منذ أقدم الأزمنة ومن جملتهم العرب قبل الإسلام في مختلف أطوارهم كما هو الشأن إزاء العناصر الخفية الخيرة. ولقد كان لأهل الكتاب الذين كان العرب يتصلون بهم في جزيرتهم وخارجها عقائد متطورة فيهم فمن المحتمل كثيرا أن يكون ذلك قد تسرب إلى العرب فأدخل تطورا ما على عقائدهم فيهم أيضا.
ولقد احتوى القرآن آيات كثيرة حول الجن وماهيتهم أولا وحول عقائد العرب فيهم ثانيا.
ومجمل ما جاء عن ماهيتهم أنهم مخلوقات نارية على ما تفيده آية سورة الحجر هذه: وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وآية سورة الرحمن هذه:
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) وأنهم طوائف وطبقات على ما تفيده آية سورة الجن هذه التي تحكي أقوالهم: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) ، وأن منهم طبقة إبليس وذريته الذين يوسوسون للناس ويزينون لهم الشر والإثم والتمرد على الله على ما تفيده آيات سورتي ص والكهف التي أوردناها قبل قليل، وأن منهم من ينزل على الناس ويلقون إليهم ببعض الأقوال والأخبار والأفكار على ما تفيده آيات سورة الشعراء هذه: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ