والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآية [٨٧] التي فيها الجملة مدنية، ولعل ذلك بسبب ما روي من أن السبع المثاني هي السبع الطوال. ومعظم الأقوال تؤيد كون المقصود من الجملة سورة الفاتحة، وهو الأوجه والأرجح عندنا أيضا.
ولا سيما أن السبع الطوال لم تصبح كذلك إلّا بعد ترتيب القرآن آيات في سور وسورا في مصحف. وهذا إنما تم في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك فإن إنكار صرف الجملة إليها في محله، ويتبع هذا إنكار رواية مدينة الآية.
تعليق على الآية لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ
روى ابن كثير في صدد الآية حديثا جاء فيه:«إن النبي صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف ولم يكن عنده شيء فأرسل إلى رجل من اليهود يستلف منه دقيقا فقال لا إلّا برهن فرجع فأخبر النبي بجوابه فقال أما والله إني لأمين من في السماء وأمين من في الأرض ولو أسلفني لأديت له فلما خرج الرجل نزلت الآية» . والحديث ليس من الصحاح والحادث المذكور فيه مدني والآية مكية لا خلاف فيها وهي منسجمة نظما وسياقا مع ما قبلها ومع ما بعدها. فضلا عن أن الحديث لا يتناسب مع مدى الآية. ولقد ورد في سورة طه آية مماثلة لهذه الآية وروي في سياقها نفس الحديث. وفندنا صلته بالآية كما فعلنا هنا. ولقد قال بعض المفسرين إن في الآية نهيا للنبي صلى الله عليه وسلم عن تمني ما عند الكفار ونحن نجل النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يدور في خاطره ذلك. وكل ما يحتمل أن يكون تعجب منه أو من بعض أصحابه من حسن حال الكفار وكثرة مالهم على كفرهم فاقتضت حكمة التنزيل تسليتهم وتطمينهم على النحو الذي شرحناه والذي نرجو أن يكون فيه الصواب.
والتعجب من حسن حال الكفار حالة نفسانية كانت متجددة الباعث في العهد المكي بنوع خاص فضلا عن كونها كذلك في كل ظرف، وهذا ما يفسر حكمة تكرر النهي والتنبيه على ما هو المتبادر.