للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرهم من الخلق وأنهم كانوا يفهمون أن استواءه تعالى على عرشه عبارة عن استقامة أمر ملك السموات والأرض له وانفراده هو بتدبيره. وإذا كان من شيء يصحّ قوله بالإضافة إلى هو فهو وجوب ملاحظة كون العبارة القرآنية هنا وفي أي مكان آخر في القرآن قد جاءت في معرض التدليل على عظمة الله وشمول قدرته وملكه وتقرير كونه الخالق المدبّر المتصرّف الوحيد فيه واستحقاقه بسبب ذلك وحده للعبادة والخضوع. وإن ما شغله هذا الموضوع من حيز ليس بسبب العبارة ولكن بسبب ما لمح من مساسها بالصفات الإلهية التي كانت من أهم أسباب تعدد المذاهب الكلامية في الإسلام تأثرا بالفلسفة اليونانية التي أخذت تنتشر في القرن الثاني وبعده وأساليبها وبما كان من انقسامات وخلافات سياسية على ما ألمعنا إليه في تعليقنا على موضوع القدر في سياق تفسير سورة (ق) وعلى ما يدلّ عليه عدم انشغال أصحاب رسول الله بهذه المسألة وأمثالها. والله تعالى أعلم.

تعليق على دلالة الآية وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً

وقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره أن الآية [٥٨] تنطوي على مثل ضربه الله للمؤمن والكافر فشبه المؤمن بالأرض الطيبة التي تؤتي ثمرا طيبا والكافر بالأرض السبخة الرديئة التي يكون ثمرها رديئا. والاستنباط سديد وجيه. وفي الآية على ضوئه تنويه بالمؤمنين الذين استجابوا لدعوة الله ورغبوا في الحق والهدى وتنديد بالكافرين الذين ناوأوها وتصامموا عن صوت الحق وتعاموا عن النور والهدى عنادا ومكابرة. وروح الآية تتحمل تعديلا للتشبيه وهو تشبيه ذوي النفوس الطيبة بالأرض الطيبة وذوي النفوس الخبيثة بالأرض الخبيثة. وبهذا التعديل يمكن تعليل كل موقف لكل فئة وفرد من الهدى والحق إذا ظهرت معالمهما واضحة في كل وقت ومكان وعلى كل مدى ويكون المثل القرآني به من الحكم العامة المستمرة المدى. وهذا ما أردناه حينما نعلل آيات الضلال والهدى والكفر والإيمان بأن الناس الذين يصرون على كفرهم وعنادهم وضلالهم رغم ظهور معالم

<<  <  ج: ص:  >  >>