وأعقب القصة أمر موجه إلى المسلمين بالقتال في سبيل الله، وتنبيه لهم على أن الله سميع لكل ما يقولون عليم به. وحثّ لهم على إقراض الله قرضا حسنا مما ينطوي فيه حثّ لهم على إنفاق المال في سبيل الله وتنويه بمن يفعل ذلك وبشرى بأن الله يرده إليه أضعافا مضاعفة وتنبيه على أن بسط الرزق وقبضه بيد الله وأن مرجع الناس جميعا إليه مما ينطوي فيه توكيد في الحثّ على الإنفاق في سبيل الله أيضا.
تعليق على الآية أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ... إلخ وعلى الآيتين التاليتين لها
الآيات فصل جديد ومن المحتمل أن تكون نزلت بعد الآيات السابقة لها فوضعت في ترتيبها، الصلة ملموحة بين الآية الأولى والآيتين التاليتين لها على ما سوف نشرحه بعد، وهذا ما جعلنا نعرضها معا.
وقد روى المفسرون «١» أن الآية الأخيرة نزلت في مناسبة قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في مجلس من مجالسه: من تصدّق فله مثلاه في الجنّة. فقال أبو الدحداح الأنصاري:
يا رسول الله لي حديقتان إن تصدقت بإحداهما فإن لي مثليها في الجنة؟ قال: نعم.
قال: وأم الدحداح والصبية معي؟ قال: نعم. فتصدق بأفضل حديقتيه فنزلت الآية.
ولم نطلع على سبب نزول الآيتين اللتين قبلها، والذي يتبادر لنا أن الآيات الثلاث فصل واحد منسجم ومتساق المدى، وقد احتوت الآية الأولى منها قصة بسبيل بيان أن الفرار من الموت لا يقي منه، والثانية احتوت أمرا للمسلمين بالقتال مما ينطوي فيه تنبيه على عدم التهيب من ذلك خوفا من الموت. والثالثة احتوت حثا على الإنفاق في سبيل الله الذي هو من لوازم الجهاد وضروراته. ولا يمنع هذا أن تكون قصة أبي الدحداح صحيحة ولكن الأكثر احتمالا واتساقا مع نص الآية أن تكون