- ٨- أثر الدعوة القرآنية في نجاح الفتوحات الإسلامية:
والمناسبة تجرنا إلى استطراد وتنبيه آخر مهما كان موضوعه أمس بالتاريخ فإن له مساسا أيضا بالبحث الذي استطردنا إليه. فقد حلا لبعض المستشرقين والباحثين «١»
أن يقولوا إن ما تم من انتصار الجيوش الإسلامية في بلاد الشام ومصر والعراق إنما كان انتصارا للعروبة لا «للمحمدية» - الدعوة الإسلامية- أو إن العامل الاقتصادي في بلاد العرب والعامل السياسي في امبراطوريتي الفرس والرومان هما أبرز عوامله وإن الذين أسلموا من أهل هذه البلاد إنما أسلم أكثرهم للتخلص من الجزية أو نتيجة للاضطهاد. فهذه الدعوة تدعونا هنا إلى التنبيه فقط- لأن المقام لا يتسع للإسهاب- على أن القائلين قد أغفلوا أو تجاهلوا عن قصد أو غير قصد أثر الدعوة المحمدية القرآنية العظيم في يقظة العرب الجديدة وتجمعهم وموجتهم الكبرى في عهد الخلفاء الراشدين، وكون قواد الحملات الإسلامية الأولى بنوع خاص وزعماءها ومشاهيرها كانوا من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم الذين رسخت فيهم مبادئ تلك الدعوة، وكون هذه الحملات امتدادا لحركات التنكيل والتأديب الدفاعية التي بدأت في عهد النبي في نطاق تلك المبادئ، وكون الشعار الذي حمله هؤلاء هو الدعوة إلى الإسلام بالموعظة والحكمة والجزية على من أبى من الأعداء وخضع للسلطان الإسلامي حتى لا يصدّ عن الدعوة ولا يفتن المستجيبون إليها ويكون الدين كله لله، والقتال لمن ظلّ على عدائه وصدّه إلى أن يتحقق ذلك القصد، وما احتواه التاريخ الإسلامي من الصحف النورانية الوهاجة عن التصرف الذي تصرفه هؤلاء القواد والزعماء الذين زوّدهم الخلفاء الراشدون بالإضافة إلى ما رسخ فيهم من مبادئ القرآن من الوصايا بالرحمة والبرّ والرأفة والوفاء ورعاية الذمة وترك المسالمين والحياديين وغير المحاربين والعجّز والنساء والرهبان وشأنهم مما هو مستمد كذلك من تلك المبادئ ومن السيرة النبوية الشريفة، وكون