الدين الإسلامي لم يكن غريبا أو منحرفا في الأصل والجوهر عن الأديان السماوية التي كانت سائدة في هذه البلاد. فلكل من هذه الأمور أثر قوي في ما تم للعرب المسلمين من نصر وفتح، وما تم للدين الإسلامي من انتشار وإقبال في أثناء الحملات الأولى وما تبعها من ظروف، وإذا كان التاريخ يذكر بعض ثورات قامت في بعض الجهات، وبعض نكسات حدثت أو بعض أحداث نوقضت فيها تلك المبادئ فإن ذلك لا يبرر القول الذي قيل، وما أريد توجيهه من غمز أو استهانة بآثار الدعوة النبوية القرآنية. وإذا كان قصد التخلص من جزية خفيفة هي في الوقت ذاته بدل ضريبة الدم التي كان يؤدّيها المسلمون وبدل ما كان يبذله هؤلاء من حماية وذمة للدافعين سببا في اعتناق الإسلام فإنه يحمل نفسه معنى كبيرا، وهو كون الدين الذي كان المرتدون عنه يدينون به لم يكن من الرسوخ والقوة في النفوس بحيث يكون أغلى من أن يباع بدينار أو دينارين أو أربعة دنانير في السنة يؤديها الرجل البالغ القادر حسب مقدرته لأن الجزية لم تكن تؤخذ من النساء والأطفال والعجز على أن من الحقائق التي لا تتحمل مماراة أن أكثر الذين اعتنقوا الإسلام من هؤلاء قد اعتنقوه عن قناعة ورغبة لأنهم رأوه متطابقا مع ما هو عليه دينهم من أسس، ومع كثير من تقريرات كتبهم المقدسة، ووجدوا فيه حلولا لعقد عقائدية كانت تثير بينهم الحيرة والفتن الهوجاء وتجرّ عليهم الاضطهادات. ولعل انحدار أكثرهم من الأرومات العربية الجنس التي سماها المستشرقون الحديثون بالساميين، وانتساب كثير منهم للعروبة التي تمركزت فيها هذه الأرومات قد ساعد على الانطباق والاندماج. على أن بقاء شراذم من النصارى واليهود والسامريين والصابئة بعد الحملات الإسلامية الأولى ثم خلال ثلاثة عشر قرنا كان السلطان فيها والكثرة للمسلمين، بل كان هذا السلطان في بعضها قويا ليس في الميدان من يدانيه قوة وشمولا أو يتحداه لدليل خالد رائع على أن الطوائف غير المسلمة لم ترغم على الإسلام إجمالا، وخاصة في عهد الحملات الأولى والظروف القريبة منها، وأن الذين اعتنقوه إنما اعتنقوه بطوعهم وقناعتهم، وإن من بقي على دينه منهم قد تمتع بحريته وأمنه في ظل هذا السلطان وفي ظل مبادئ القرآن الذي قام عليه مما لم