للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٢]]

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢)

. تشير الآية إلى استغراق الكفار في الحياة الدنيا واغترارهم بما تيسر لهم من أسباب اليسر والنعيم فيها وما ساقهم هذا إليه من السخرية بالمؤمنين وتنقصهم لهم. ثم تقرر أن المتقين من المؤمنين سوف يكونون فوقهم يوم القيامة مكرمين عند الله الذي يرزق من يشاء بغير حساب.

وقد روى المفسرون «١» أن الآية نزلت في بعض رؤساء قريش الذين بسطت لهم الدنيا وكانوا يسخرون من فقراء المؤمنين ويقولون لو كان هؤلاء من رجال الله لبسط لهم الرزق. كما رووا أنها نزلت في بعض رؤساء المنافقين أو رؤساء اليهود في المقصد نفسه، وليس شيء من ذلك واردا في كتب الأحاديث المعتبرة. والذي يتبادر لنا أن الآية هي أيضا استمرار للآيات السابقة ولم تنزل كآية مستقلة. فالكفار والمنافقون والمنحرفون عن أوامر الله والمبدلون لآياته ونعمته إنما يفعلون ما ذكرته الآية بوساوس الشيطان وتزيينه من جهة واغترارا بما تيسر لهم من وسائل القوة والاستمتاع بالدنيا من جهة أخرى. وليس من مانع أن تكون قصدت زعماء كفار قريش أو زعماء كفار اليهود أو زعماء المنافقين الكافرين بقلوبهم لأن صدور ذلك من كل منهم محتمل.

وتعبير وَالَّذِينَ اتَّقَوْا قوي الدلالة في مقامه، ولا سيما أن الآيات السابقة تنعى على بعض الذين آمنوا أو تظاهروا بالإسلام ترددهم وعدم إسلامهم النفس لله إسلاما صادقا فليس كل من يقول آمنّا يستحقون الحظوة عند الله وإنما الذين اتقوا منهم أي الذين أخلصوا كل الإخلاص وسلّموا أمرهم وأنفسهم لله كل التسليم ولم يترددوا ولم يكابروا في اتباع جميع ما أمر الله ونهى، وفي هذا تلقين جليل مستمر المدى.


(١) انظر تفسيرها في تفسير الخازن والطبرسي وابن كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>