صاحبك من شيء، ولقد علمت أني أمنع أهل البطحاء وأنا العزيز الكريم. ومع احتمال أن يكون مثل هذه المحاورة جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل وصدر عن أبي جهل هذا القول فإنّ الآيات كما يبدو وحدة متماسكة متصلة بما قبلها وما بعدها وعلى سبيل الإنذار والتبشير بمصيري الكفار والمؤمنين بحيث يصح القول إنها لم تنزل في هذه المناسبة، وكل ما يمكن أن يكون أنها احتوت ردّا لاذعا شامتا على اعتداد أبي جهل وأمثاله بأنفسهم وعزتهم.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق ذكر شجرة الزقوم ووصفها حديثا عن ابن عباس قال:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيّها الناس اتقوا الله حقّ تقاته، فلو أن قطرة من الزّقوم قطرت على الأرض لأمرّت على أهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن تكون طعامه وليس لهم طعام غيره» . حيث ينطوي في الحديث توضيح ترهيبي إنذاري نبوي متسق مع الترهيب الإنذاري الذي احتوته الآيات.
وفي الآية الأولى دليل جديد يضاف إلى الأدلة الكثيرة التي نبهنا عليها على أن لغة القرآن كانت مفهومة عند أهل بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره من العرب بل كانت لغتهم التي هي لغة النبي صلى الله عليه وسلم.
[تعليق على السندس والإستبرق]
وما قلناه في صدد وسائل النعيم الأخروية في سياق سورة الزخرف وغيرها ينحسب على الوصف الوارد في هذه الآيات. وإن كان من شيء يصحّ أن يزاد فهو أنه لما كان الإستبرق والسندس كلمتين معرّبتين عن الفارسية أو الرومية على اختلاف الأقوال، ولما كانت روح الآيات تلهم أن ما يرمزان إليه من نوع النسيج الحريري كان معروفا وممارسا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره فإنه يسوغ القول إن في ذلك دلالة على ما كان من صلات تجارية وغير تجارية بين أهل بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره وفي الأقطار المجاورة لجزيرة العرب، وعلى اقتباس العرب لكثير من وسائل الحياة التي كان يتمتع بها أهل تلك الأقطار، وهو ما قامت عليه الأدلة الكثيرة القرآنية وغير القرآنية.