والآية تضمنت تقريرا قرآنيا محكما بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات: إنما يفعلون ذلك باختيارهم وكسبهم، كما أن المفسدين الفجّار إنما يرتكبون جرائمهم ويسيرون في طريق الغواية باختيارهم وكسبهم أيضا حيث تقرر أنه لا يمكن أن يكون الفريقان في مركز واحد وأن يعاملا معاملة واحدة أو أن يترك الصالحون المتقون والمفسدون الفجّار وشأنهم بدون حساب ولا جزاء إذ أن هذا يكون عبثا وباطلا في حين أن الله سبحانه لم يخلق الكون عبثا وباطلا.
تعليق على كلمة كِتابٌ
وكلمة كِتابٌ ترد هنا لأول مرة، والأصل في معناها الشيء المكتوب، وقد أطلقت في القرآن على القرآن وعلى الكتب المنزلة كما أطلقت على أعمال الناس وعلى علم الله أيضا، ومن أمثلة إطلاقها على القرآن الآية التي نحن في صددها، ومن أمثلة إطلاقها على الكتب المنزلة آية سورة المائدة هذه: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ... [٤٨]
ومن أمثلة إطلاقها على أعمال الناس آية سورة الانشقاق هذه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وآية سورة الكهف هذه: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩) ومن أمثلة إطلاقها على علم الله آية سورة الروم هذه: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) .
وبما أن القرآن لم يكن تاما حينما نزلت هذه الآية التي عنت كلمة الكتاب فيها القرآن فيمكن أن يقال إن الكلمة تطلق على جميع القرآن كما تطلق على جزء منه، وإن شأنها في هذا شأن كلمة القرآن تماما على ما شرحناه في سياق تفسير سورة المزمل، بما في ذلك دلالتها في الأصل، مثل القرآن على القسم الذي