والتنويه بما في الكون من عجائب وبدائع. على أن يبقى الأمر في نطاق هذه الأساليب التي وجهت إلى جميع الناس على اختلاف عقولهم ومداركهم والتي فيها الكفاية كل الكفاية لتحقيق تلك الحكمة ودون أن يخرج إلى نطاق التمحلات في التطبيقات الفنية التي كثيرا ما تؤدي إلى مأزق وليس من ورائها في الوقت نفسه طائل في صدد الهدف القرآني.
[تعليق آخر على ما تفيده ظواهر الآيات من بعث الناس بأجسادهم]
وظاهر الآية الرابعة أن الناس يبعثون في الحياة الأخرى بأجسامهم وما ركّبت عليه في الدنيا من عظام ولحم ودم وأعضاء بأعيانها. وهذه المسألة من المسائل التي يختلف فيها المؤمنون بالحياة الأخروية «١» حيث ينفي بعضهم بعث الناس بأعيان أجسامهم لأن هذه الأعيان تنحلّ وتدخل في بنيان أجسام أخرى بشرية وغير بشرية، ويظل هذا يتكرر بصورة مستمرة وقالوا بناء على ذلك إن البعث الأخروي وما يكون فيه من حساب ونعيم وعذاب هو روحاني أي إنه يقع على الأرواح التي هي وحدها التي تكسب وتستحق الجزاء حسب كسبها لا على الأجسام التي هي غلاف للروح، وقال آخرون: إن الناس يبعثون جسمانيا وإن ذلك في نطاق قدرة الله على كل حال، وإن هذا هو المؤيد باستمرار في مختلف آيات القرآن، وردّ بعضهم بأنه ليس من الضروري أن تبعث الأجسام بأعيانها لأنها ليست إلّا غلافا للروح الكاسبة المستحقة للنعيم والعذاب فمن الممكن أن يبعثها الله بأجسام جديدة لأن الروح المستحقة للنعيم والعذاب لا تشعر بهما إلّا بالإحساس الجسماني.
والذي يتبادر لنا بالنسبة للآية التي نحن في صددها أنها بسبيل المساجلة في أسلوب الإنكار وتعبير المنكرين. فقد أنكر كفار العرب الذين وجهت إليهم الدعوة والقرآن لأول مرة جمع العظام بعد الموت فردّت عليهم الآية بأسلوب مثل أسلوبهم
(١) انظر مثلا تفسير المنار ج ٨ الطبعة الثانية الصفحة ٢٦٤ وما بعدها.