وتنطوي الآيات على تلقينات جليلة مستمرة المدى لجميع المسلمين ولو أن الخطاب فيها موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إمامهم وقدوتهم.
فإمكانيات التمتع بالحياة الناعمة المترفة وأسبابها ليست مرتبطة بكفر وإيمان وليست نتيجة ملازمة لأية حالة منهما. والمهم في الحياة طمأنينة النفس وهدوء البال والرضى.
وهذا ما يتحقق للمؤمن المتقي الذي يمنعه إيمانه وتقواه من جعل الدنيا أكبر همّه ويبث في نفسه القناعة والرضاء فيما يتيسر له من أسباب الحياة المشروعة والاعتماد على الله وحده في ذلك، ولزوم حدود الله والقيام بواجباته نحو الله والناس على أتمّ وجه. لا سيما أن الاستغراق في الحياة الدنيا وشهواتها كثيرا ما يسبب الآلام والنكبات ويثير القلق والاضطراب. وفي كل هذا الذي تلهمه الآيات ما فيه من معالجة روحية نافذة.
وقد يكون من تلقيناتها وجوب قصر المسلم طمعه وطموحه عن اكتناز المال الكثير لأجل التباهي والتكاثر والاستمتاع الخاص به وحسب. وقد يؤيد هذا آيات عديدة في سور مكية ومدنية نددت باكتناز المال والاستغراق في حبه، وبخاصة إذا لم يكن لأجل نفع الغير به وإنفاقه في سبيل الله تعالى. وقد مرّ من ذلك أمثلة في سورة الفجر والتكاثر والعاديات، ومن ذلك آيات سورة التوبة هذه وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥) .