يجعل شيئا من التموج أو التمازج في أفق ومدار شخصية أهل الكتاب. وقد خلد قدسية الكعبة ومركزيتها فغدت متجه العرب في حياتهم الدينية الجديدة في جميع أنحاء الجزيرة أشد وأقوى وألزم مما كانت لهم قبل هذه الحياة أولا. ومتجه المسلمين في جميع أنحاء العالم على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وبلادهم وناظما لوحدتهم الروحية ثانيا. وكان كذلك عنوانا على إبقاء مناسك الحج والكعبة إذ صارت ركنا مفروضا من أركان الإسلام بعد تصفيتها من شوائب الوثنية ومشاهدها.
وننبه على أمر هام، وهو أن ما قلناه من اكتساب الرسالة الإسلامية شخصية مستقلة هو بالنسبة للموضوع وحسب، وإلا ففي القرآن آيات كثيرة جدا مؤيدة لاستقلال هذه الشخصية. بل القرآن جميعه بسبيل ذلك. وكل ما بينها وبين الملل الكتابية السابقة من قاسم مشترك كونها مثلها مستندة إلى كتاب رباني منزل على رسول الله هدف فيما هدف إلى تصحيح الانحرافات التي ارتكست فيها هذه الملل.
[احتمال أن يكون التبديل في بدئه إلهاما ربانيا]
وهناك مسألة مهمة أخرى في صدد تبديل القبلة، فالروايات تذكر أن جملة وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ في الآية [١٤٣] هي بسبيل تطمين المؤمنين الذين خافوا على الميتين منهم من أن تكون عبادتهم السابقة قد ضاعت حيث قال لهم اليهود إذا كنتم في استقبال المسجد الأقصى على خطأ فقد ضاعت عبادتكم السابقة وإذا كنتم على صواب فسوف تضيع عبادتكم الآتية. وفحوى الآية يؤيد ذلك وينبه المؤمنين في الوقت نفسه إلى أن القبلة التي كانوا عليها كانت اختبارا لهم. وهذا يعني أنها نزلت بعد التبديل. وهذا يقال بالنسبة للآية [١٤٢] والتي روت الروايات أنها نزلت حينما أخذ اليهود يتساءلون عن أسباب التحويل ويشككون المسلمين فيه. فإما أن تكون هاتان الآيتان قد نزلتا لحدتهما بعد التحويل وأن يكون في نظم آيات الفصل تقديم وتأخير، وإما أن تكون هذه الآيات قد نزلت جميعها معا بعد التحويل للرد على انتقاد اليهود ودسائسهم وطمأنة النبي والمسلمين وتثبيتهم