تعليق على الآية إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ ... إلخ وما بعدها لآخر السورة وما فيها من صور وأهداف وما ورد في صددها من روايات
عبارة الآيات واضحة. ولم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات وهي فصل جديد ولا صلة له بالآيات السابقة عدا الآية السابقة مباشرة لها من احتمال صلتها بها كمقدمة تمهيدية على ما ذكرناه ورجحناه قبل.
ولقد احتوت الآيات مقطعين مختلفين في صيغة الخطاب متفقين في الموضوع والتوجيه:
أولهما: تضمّن حكاية لتذكير رباني موجّه إلى عيسى عليه السلام بما كان من رعاية الله له ولأمّه ومن تأييده له وإظهار المعجزات على يديه. وإلهام الحواريين بالإيمان به وإنزال المائدة السماوية بناء على طلبهم منه والتماسه ذلك من الله عزّ وجلّ.
وثانيهما: تضمّن حكاية سؤال موجّه إلى عيسى عليه السلام أيضا عما إذا كانت عقيدة النصارى بألوهيته وألوهية أمه نتيجة لقوله ذلك لهم وحكاية جواب عيسى على السؤال فيه تنصّل من ذلك وإشهاد لله على براءته منه وكونه لم يقل لهم إلّا ما أمره به أن اعبدوا الله ربي وربكم.
ويتبادر لنا من أسلوب الآيات أن المقطع الأول هو تمهيد للمقطع الثاني.
وأن الثاني قد تضمن فيما تضمّنه أو بعبارة أخرى استهدف فيما استهدفه التنديد بعقيدة النصارى بألوهية عيسى عليه السلام وأمّه. وتبرئة عيسى من هذه الدعوة وتحميل مسؤوليتها على المعتقدين بها. وتقرير حقيقة دعوة عيسى وكونه لم يقل إلّا ما أمره الله تعالى من أنه رسول الله وكونه إنما دعا الناس إلى عبادة الله وحده ربّه وربّهم، وكون ولادته وطفولته وكلامه الناس في هذه الطفولة وما جرى على يديه من معجزات إنما هو بإذن الله وعنايته وتأييده.