للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الأزواج يعمدون إلى ذلك إذا كرهوا زوجاتهم أو كنّ ولودات بنات فقط أو أرادوا مكايدتهن أو ابتزاز أموالهن وحملهن على التنازل عن مهورهن وحقوقهن أو استبقائهن حاضنات لأولادهن، وكانوا كذلك يتفادون تطليقهن أنفة من أن يتزوجن غيرهم. وهذا التقليد يشبه من ناحية ما تقليد الإيلاء الذي ورد ذكره وحكمه في آيات سورة البقرة [٢٢٥- ٢٢٦] وفي هذا التقليد كما في ذلك ظلم وبغي فلذلك سفّهه القرآن هنا وقرر حكما في صدده في سورة المجادلة.

[تقليد التبني في الجاهلية ومداه]

والتبنّي هو اتخاذ رجل ما طفلا أو صبيا غريبا ابنا له. وكان هذا من تقاليد العرب في الجاهلية. وكان يجري بشيء من المراسم حيث يعلن المتبني في ملأ من الناس تبني الطفل أو الصبي فيصبح في مقام ابنه من صلبه في كل الواجبات والحقوق فيرث كل منهما الآخر ويحرم على كل منهما ما يحرم بين الأب والابن من أنكحة. فلا يصح للمتبنّى أن يتزوج إحدى بنات متبنّيه ولا أخواته ولا عماته ولا خالاته ولا يصح للمتبنّى أن يتزوج بنات متبنّيه ولا أخواته ولا عماته ولا خالاته ولا أرملته ولا مطلقته. وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم ابن على هذه الطريقة وهو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي. وكان مملوكا لزوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنهما فاستوهبه منها وأعتقه. وجاء أبوه فخيره بين البقاء عنده أو الالتحاق بأبيه فاختار البقاء فأعلن أبوه براءته منه فأعلن النبي تبنّيه له. وكان ذلك قبل نبوّته.

وصار يدعى زيد بن محمد. وظل الأمر على ذلك إلى أن نزلت هذه الآيات فصار يدعى زيد بن حارثة «١» .

ولقد ظلّ النبي صلى الله عليه وسلم يحبّه ويرعاه وقد عهد إليه بقيادة سرايا عديدة أكثر من أي


(١) انظر تفسير الآيات في الخازن والبغوي والطبرسي وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٢٤- ٢٢٥، وفي فصل التفسير من صحيح البخاري حديث عن ابن عمر جاء فيه: (ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ. وانظر التاج ج ٤ ص ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>