وحدها لو لم يكن هذا النقل السماعي المتواتر لا تجزي وحدها ولا تجعل قارئ القرآن يؤدي دلالاتها على وجهها دون تعليم وسماع. والمعقول أن وضع العلامات كان من قبل أعلام القراء والرواة حينما رأوا أن الحاجة صارت ماسة إلى ذلك، وأن بقاء القرآن بدونها قد يؤدي إلى إساءة التلاوة والأداء والانحراف عن الأسلوب الصحيح القويم المتناسب مع طبيعة المفاهيم القرآنية والذي كان يرويه القراء والرواة راو عن راو وقارئ عن قارئ، على أن المعقول أيضا أن وضعها هو من قبيل التذكير بدلالاتها التي كانت تتلقى سماعا. والراجح أن هذا قد كان كذلك في القرنين الثاني والثالث الهجريين.
- ١٥- رسم المصحف العثماني:
ثامنا: رسم المصحف العثماني-:
إن أكثر العلماء وأئمة القراء قرروا وجوب الاحتفاظ في كتابة القرآن بالرسم العثماني. ومنهم من كره كتابته برسم آخر ومنهم من حرّمها. ولم نطلع على أقوال وأحاديث موثوقة متصلة بأصحاب رسول الله في هذا الشأن. ولذلك يصح أن نقول إنها أقوال اجتهادية.
ويبدو أن هذا التشديد متصل بروايات القراءات السبع أو العشر، وخاصة بما يتصل بالصرف والنحو وأجسام الكلمات مثل «ملك ومالك» و «مسجد ومساجد» و «يفعلون وتفعلون» و «فتحت وفتّحت» و «أرجلكم وأرجلكم» و «تبينوا وتثبتوا» إلخ مما يقع في وحدة الرسم، ومتصل كذلك بالقول إن هذه القراءات صحيحة كلها لأنها تقع في نطاق وحدة الرسم من ناحية ومتصلة بالسماع المتسلسل الواصل إلى قراء الصحابة الذين تلقوا القرآن عن النبي من ناحية أخرى بحيث يورد أن شأن كتابة القرآن بغير الرسم العثماني وبالخطوط الدارجة في الأدوار التالية أن تحول دون قراءة الكلمات القرآنية بقراءات مختلفة يحتملها الرسم العثماني ومتصلة بقراء الصحابة، فيكون في ذلك تحكم في تصويب قراءة دون قراءة وإبطال قراءة دون