تعليق على الآية قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ... والآيات الثلاث التالية لها وما فيها من صور وأحكام وتلقين
عبارة الآيات واضحة، وقد روى المفسرون «١» أنها نزلت في مناسبة قدوم جماعة من أعراب بني أسد إلى المدينة في سنة جدب وإظهارهم الإسلام ومطالبتهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم من الصدقات ومنّهم عليه بدخولهم في الإسلام ومتابعتهم له عن طواعية في حين أن القبائل الأخرى عالنته العداء وحاربته.
وروح الآيات ومضمونها متسقان مع الرواية إجمالا كما هو واضح. وقد احتوت:
أولا: صورة من صور الأعراب ومدى تأثرهم بالإسلام لأول عهدهم به واتخاذهم التظاهر به وسيلة للغنم ومنّهم بما يتظاهرون به على النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ردت عليهم الآيات ردّا قويّا لاذعا وآذنتهم أن الله يعلم سرائرهم وأن الإسلام والإيمان هما لنجاتهم وأن الله الذي هداهم هو الأولى بأن يمنّ عليهم بهما.
وثانيا: تسامح الله تعالى مع مثل هؤلاء وقبول الظاهر منهم مع ذلك إذا اقترن بطاعة الله ورسوله. وتطمينهم بأن الله عز وجل في مثل هذه الحالة يجزيهم على أعمالهم دون نقص برغم علمه أن الإيمان لم يتمكن في قلوبهم وأن كل ما كان من أمرهم إعلان إسلامهم.
وثالثا: وصفا قويا رائعا وحاسما للمؤمن المخلص فيه معنى الحثّ على الاتصاف به.
ورابعا: فرقا بين معنى الإيمان ومداه ومعنى الإسلام ومداه بكون الأول لا يحتمل ترددا ولا ارتيابا ولا أمل منفعة مادية دنيوية ولا قصدا لها. ويجعل
(١) انظر الطبري والطبرسي والبغوي وابن كثير والخازن.