في السورة حملة شديدة على المنافقين. وحكاية لأقوال ومواقف خطيرة صدرت منهم فيها كيد وعداء وتحريض على النبي والمهاجرين وردود تسفيه عليهم. وتثبيت وتطمين للنبي والمؤمنين. وفيها تحذير للمؤمنين عن الاستغراق في حبّ المال والولد عن ذكر الله وحثّ لهم على الإنفاق وهم في سعة من الوقت والعمر. وآيات السورة منسجمة مما يسوغ القول إنها نزلت دفعة واحدة أو أن فصل المنافقين جميعه نزل دفعة واحدة ثم تبعه الفصل التحذيري الأخير.
ولقد روي أن الأقوال التي حكتها بعض آيات السورة صدرت من زعيم المنافقين أثناء غزوة المريسيع التي أثير فيها حديث الإفك ضد أم المؤمنين عائشة الذي تضمنت سورة النور الإشارة إليه حيث يبدو من ذلك صحة رواية ترتيب نزول السورة بعد سورة النور.
وفي سورة النور مقاطع عديدة فيها حملات تنديدية على المنافقين. وصور من مواقفهم على ما مرّ شرحه فيها. وفي هذه السورة حملة أخرى فيها مواقف أخرى.
حيث يمكن أن يكون في هذا قرينة أخرى على صحة رواية نزول هذه السورة بعد سورة النور. على أن هناك ما يحسن التنبيه عليه أيضا. فالروايات تذكر أن وقعة المريسيع كانت قبل وقعة الأحزاب أو الخندق التي أشير إليها في سورة الأحزاب.
مع أن الروايات تذكر أن سورة الأحزاب في الترتيب سابقة لسورتي النور والمنافقون.
فإما أن يكون في روايات تواريخ الوقائع الجهادية النبوية شيء من الخطأ وإما أن تكون هذه السورة نزلت قبل سورة الأحزاب. ولقد أوردنا في مقدمة سورة النور احتمال أن تكون هذه السورة أيضا قد نزلت قبل سورة الأحزاب. وتظل قوة قرينة نزول سورة (المنافقون) بعد سورة النور على كل حال قائمة. والله تعالى أعلم.