للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكّت عنه حلقة ثم عمل أخرى فانفكّت أخرى حتى يخرج إلى الأرض» . حيث ينطوي في الحديثين تلقين وتأديب نبويان حكيمان. وهذا التلقين والتأديب مندمجان في جملة إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ الواردة في الآية [١١٤] من سورة هود والتي ورد في سياقها أحاديث نبوية أخرى أوردناها في مناسبتها. ولقد ورد في سورة القصص جملة مماثلة للجملة التي نحن في صددها بسبيل الثناء والتنويه ببعض المؤمنين من أهل الكتاب حيث اقتضت حكمة التنزيل تكرار التلقين والتأديب واقتضت حكمة النبي تكرار مثل ذلك في هذه المسألة والحكمة في ذلك جليلة المدى والمغزى بدون ريب.

[[سورة الرعد (١٣) : آية ٢٦]]

اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦)

. عبارة الآية واضحة، والمتبادر أن تعبير وَفَرِحُوا قد عنى الذين وصفوا في الآية السابقة مباشرة بنقض ميثاق الله وقطع ما أمر الله به أن يوصل والفساد في الأرض ولعنوا بناء على ذلك وأنذروا بسوء العقبى. وقد تضمنت الآية حكاية فرح هذه الطبقة وزهوها بما تيسّر لهم من وسائل القوّة والثروة في الحياة الدنيا والتنديد بهم لاغترارهم بذلك إلى الدرجة التي أعمتهم عن الهوى وجعلتهم يرتكسون فيما ارتكسوا فيه من مواقف المناوأة لرسول الله ورسالته والبغي والفساد. ثم نبهتهم إلى الحقيقة الكبرى التي غفلوا عنها وهي أن بسط الرزق وتقتيره هما بيد الله وأن الحياة الدنيا مهما بسمت للناس فإنها ليست إلّا متاعا تافها جدا في قيمته ومدّته بالنسبة للحياة الأخرى.

وبهذا الشرح تكون الآية متصلة بالسياق السابق اتصال تعقيب واستطراد وتعليل وتنديد.

وننبّه على أن مثل هذا التنبيه والتنديد الذي تضمنته الآية قد تكرر في آيات

<<  <  ج: ص:  >  >>