وهما لا يتحققان إلا فيما هو معروف ومسلم به إجمالا من السامع وأن هذا أيضا من الحق الذي انطوى فيه حكمة التنزيل، وبوجوب الوقوف من هذه القصص عند الحدّ الذي استهدفه القرآن وعدم الاستغراق في ماهياتها على غير طائل ولا ضرورة، لأنها ليست مما يتصل بالأهداف والأسس على ما ذكرناه في مطلع البحث وهذا هو الجوهري فيه. وهذا القول يصح على المسألة الثانية مع التنبيه على أن الخلاف ظاهري ويمكن التوفيق فيه وتأويله، وعلى أنه متصل بالماهيات والحقائق التي لم تقصد لذاتها كما كررنا قوله.
ونريد أن ننبه على ظاهرة قرآنية مهمة فيها توكيد لما نقرره واتساق معه، وبالتالي فيها دليل انسجام في الأساليب القرآنية ومراميها مكية كانت أو مدنية.
وذلك أن أسلوب القرآن القصصي وهدفه قد اتسقا مع ما ورد فيه من ذكر الوقائع الجهادية والمواقف القضائية والحجاجية وغيرها من أحداث السيرة النبوية، بحيث إن الناظر في القرآن يجد أن ما ورد فيه من ذلك إنما ورد بقصد العظة والتذكير والتنبيه والحثّ والتحذير والإرشاد والتعليم والتأديب والتشريع، ولم يرد بأسلوب السرد التاريخي وقصده. وهذا ظاهر من كون تلك الوقائع والمواقف لم تحتو كل الصور والمشاهد والتفصيلات والأحداث، وإنما احتوت ما يحقق ذلك القصد منها. ولعل هذا هو الذي يفسر حكمة عدم ورود ذكر أو تفصيل لأمور كثيرة من أحداث السيرة وفيها ما هو مهم من وقائع جهادية كفتح مكة والطائف وغزوات مشارف الشام ومؤتة واليمن إلخ. فالظاهر أنه لم يكن فيها أمور تستوجب ذلك وتتصل بالقصد المذكور فاقتضت الحكمة عدم إنزال شيء في بعضها والاكتفاء بالإشارات العابرة بالنسبة لبعضها الآخر.
- ٦- الملائكة والجن في القرآن:
سادسا: إن ما ورد من أخبار الملائكة والجنّ لم يكن هو الآخر غريبا عن السامعين جزئيا أو كليا، وإنه من وسائل التدعيم للدعوة وأهدافها وليس مقصودا بذاته.