للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي تضمنت وصف عباد الرحمن والثناء عليهم، فبعد أن انتهت تلك الآيات جاءت هذه الآية تلتفت ثانية إلى الكفار الذين كانوا موضوع الكلام السابق وتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم: إن الله لم يكن ليعتدّ بكم ويهتم لأمركم لولا دعاؤكم، وبالرغم من ذلك فقد كذّبتم بما جاءكم فاستحققتم العذاب وصار لازما عليكم لا معدى لكم عنه.

تعليق على تعبير لَوْلا دُعاؤُكُمْ

وأكثر المفسرين أوّلوا جملة لَوْلا دُعاؤُكُمْ بما يفيد أن الله تعالى ما كان ليكترث بكم ويهتم لأمركم لولا حرصه على دعوتكم إليه وإيمانكم به وعبادتكم له، وهو تأويل وجيه «١» . ومن المفسرين من أرجع ضمير المخاطب في دُعاؤُكُمْ إلى عباد الرحمن وأرجع الضمائر الأخرى في الآية إلى الكفار وهو غريب «٢» .

ومما يتبادر لنا أن جملة لَوْلا دُعاؤُكُمْ هي بسبيل الإشارة إلى اعتراف المشركين بالله الخالق البارئ ربّ الأكوان ودعائهم إيّاه وحده حينما يصيبهم الضرّ مما حكته آيات عديدة مثل آية سورة الزخرف هذه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) وآية الزخرف هذه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وآيات سورة النحل هذه: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) وآية سورة العنكبوت هذه: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) أو بسبيل الإشارة إلى ما كانوا يتمنونه على الله ويدعونه بإرسال نذير بكتاب عربي ليؤمنوا به ويسيروا على هواه مما


(١) انظر تفسير الآية في الطبري وابن كثير والخازن والطبرسي.
(٢) انظر تفسيرها في تفسير ابن كثير والزمخشري.

<<  <  ج: ص:  >  >>